من وحي التاريخ المنسي: الرسملة ضرورة سعودية للنمو المستدام

17/09/2025 1
د. خالد بن سعد الحبشان

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق تحول اقتصادي شامل يعزز دور القطاع الخاص ويقلل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، في إطار رؤية المملكة 2030. تهدف هذه الرؤية إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، يعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويتيح بيئة أعمال أكثر مرونة وتنافسية. ويأتي هذا التوجه الرأسمالي كخطوة استراتيجية نحو اقتصاد قادر على الاستجابة لتحديات العصر وفتح آفاق جديدة للنمو والاستثمار، تمثل الأدوات المالية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الرأسمالي، حيث تتيح تخصيص رأس المال بشكل فعّال، وتوفير السيولة، وتحفيز النمو الاقتصادي. وقد شهدت المملكة تطورًا ملحوظًا في الأسواق المالية خلال السنوات الأخيرة، ما جعلها محط اهتمام المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء. تتنوع هذه الأدوات بين الأسهم، والسندات، والصكوك، وصناديق الاستثمار، والمشتقات المالية، ولكل منها دور محوري في دعم الاقتصاد وتعزيز كفاءة السوق المالية.

تمثل الأسهم حصة ملكية في الشركات المساهمة، وتتيح للمستثمرين المشاركة في أرباح الشركات وتعكس أداء الاقتصاد. أما السندات والصكوك فتُصدرها الحكومات أو الشركات لتمويل مشاريعها، وتتميز السندات بعوائد ثابتة، بينما تُصدر الصكوك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، مما يفتح المجال أمام الاستثمار وفق المبادئ الإسلامية.

وتوفر صناديق الاستثمار وسيلة فعّالة لتنويع المحفظة الاستثمارية، حيث تجمع أموال المستثمرين للاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول، مثل العقارات من خلال صناديق الاستثمار العقارية المتداولة، أو من خلال صناديق المؤشرات المتداولة التي تعكس أداء مؤشرات سوقية محددة. كما تُستخدم المشتقات المالية، مثل العقود المستقبلية والخيارات، للتحوط ضد المخاطر أو لتحقيق أرباح من تحركات الأسعار.

تكمن أهمية هذه الأدوات في قدرتها على توفير السيولة، وتخصيص رأس المال للقطاعات الأكثر إنتاجية، وإدارة المخاطر، وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال تمويل المشاريع الجديدة. وفي السعودية، تشرف هيئة السوق المالية على تنظيم السوق وتطويره، مما يعزز الشفافية وحماية المستثمرين، بينما توفر “تداول” منصة إلكترونية متطورة لتداول الأسهم بأمان وفعالية.

تسعى المملكة أيضًا إلى خصخصة بعض القطاعات الحكومية، بما في ذلك التعليم والصحة والإسكان، لتحسين كفاءتها وتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد. وتعمل الحكومة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تقديم حوافز وتحسين بيئة الأعمال، مما انعكس في زيادة حجم الاستثمارات لتصل إلى تريليونات الريالات خلال السنوات الأخيرة. كما تم تطوير التشريعات والأنظمة لتسهيل الاستثمار وتعزيز القدرة التنافسية للأسواق المالية، بما يضمن تحقيق التنوع الاقتصادي والنمو المستدام.

ورغم التقدم المحرز، تواجه المملكة تحديات تتعلق بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتطوير رأس المال البشري، ومع ذلك فإن السياسات الحالية توفر فرصًا كبيرة للنمو المستدام، وتمكن المملكة من تعزيز مكانتها كمركز مالي إقليمي، مع اقتصاد أكثر تنوعًا ومرونة، قادر على استيعاب التحديات المستقبلية والاستفادة من أدوات السوق المالية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

المحصلة أن التوجه الرأسمالي في السعودية لا يقتصر على تعزيز دور القطاع الخاص، بل يشمل أيضًا تطوير الأدوات المالية كآليات حيوية لتحفيز الاستثمار، إدارة المخاطر، وتنمية الاقتصاد، بما يضمن تحقيق أهداف رؤية 2030 ويضع المملكة على مسار اقتصاد مستدام ومتنوع.

 

خاص_الفابيتا