كمناسبة وطنية كل عام ينتظر جميع أطياف الشعب السعودي، الخطاب الملكي الكريم في مجلس الشورى، الذي يأتي في إطار التلاحم الراسخ بين الشعب وقيادته ويتحقق من خلاله أسمى القيم التي قامت عليها هذه الدولة وهي الشورى تلك القيمة التي رسختها العقيدة الإسلامية، وتأكيدا على ذلك جاء الخطاب الذي ألقاه نيابة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز - الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، وبما نصه: "وإننا نعتز بهذا النهج المبارك. وأن شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، وهي مسؤولية نوليها كل العناية والاهتمام، ونسخر لها كل طاقاتنا"، ولأن الشورى قيمة إسلامية عظيمة فقد جسدها الخطاب في الشفافية الكبيرة التي رسمت الموقف الاقتصادي وحددت تقطعاته ومساره حيث يمضي بحمد الله في طريق التنويع لتقليص اعتمادنا على النفط".
وهنا يؤكد الخطاب الملكي الكريم ما تم إنجازه، فللمرة الأولى في تاريخنا حققت الأنشطة غير النفطية 56% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بدروه قفز بشكل قياسي ليتجاوز مستويات تتجاوز 4.5 تريليون ريال، وقد تحقق ذلك بوجود بنية تحتية ومستوى خدمات تقنية عززت متانة الاقتصاد السعودي.
وهنا يرسم الاقتصاد السعودي لوحة من الاستدامة المالية، التي عليها يرتكز فلم نعد رهنا لتقلبات سوق النفط التي واجهت خلال الفترة الماضية تحديات في الأسعار، لكن الأمر لا يقف عند تحرير الاقتصاد من تقلبات سوق النفط بل يحرر قرارات تسعيره وإدارة حجم الإنتاج النفطي من مسؤوليات حاجة الميزانية العامة وهذا له انعكاسه على تحرير القرار السياسي بجملته، فأصبحنا نسمع كثيرا عن اتجاهات لزياد الإنتاج رغم تراجع الأسعار، حيث تظهر أهمية المحافظ على حصص السوق وهو قرار اقتصادي بحت، دون القلق على حجم التدفقات النقدية للمالية العامة بما سيتتبع ذلك من قضايا تنموية، فالتنمية أصبحت حرة وهناك مشاريع عملاقة ليس لها ارتباط أصلا بحجم الميزانية العامة بل استثمارات محضه إما لصندوق الاستثمارات العامة أو للصناديق الأخرى والشركات.
هكذا يمضي اقتصادنا في ثبات رغم التوترات الجيوسياسية، ولهذا فقد أشار الخطاب أن السعودية قد أصبحت مركزًا عالميًا يستقطب مختلف النشاطات، ما يؤكد ذلك اختيار 660 شركة عالمية السعودية مقرًا إقليميًا لها وهو أكثر مما كان مستهدفًا لعام 2030، وانخفضت نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية بينا لا تزال المؤشرات متفائلة بمزيد من الانخفاض، وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أعلى درجاته، وانخفاض نسبة محدودي الدخل، بل أصبح الحديث اليوم عن جودة الوظائف وليس عددها.
ولأن الاقتصاد قد تحرر فعليا من ارتباطه بتقلبات سوق النفط التي أثرت في التفكير الإستراتيجي لعقود عدة فقد بين الخطاب الملكي أن التوجهات المستقبلية هي في إطار الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي وفق برامج الرؤية لتكون السعودية خلال السنوات المقبلة مركزًا عالميًا لهذا المجال، جنبا إلى جنب توطين الصناعة العسكرية وتسريعها بعد أن وصلت إلى أكثر من 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%.
هنا تظهر الشفافية والفرص التي يضعها أمام القطاع الخاص للمشاركة في صناعة المستقبل بما يضمن استمرار النمو القوي للاقتصاد السعودي الذي بلغ في الربع الثاني من 2025 نسبة 3.9%، وأسهمت الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6%.
ولأن الشورى قيمة سيادية وجسدها الخطاب الملكي بالشفافية الكبيرة التي رسمت الموقف الاقتصادي وحددت تقاطعاته ومساره فقد بين الخطاب مواصلة تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام هنا بالذات يرسم الخطاب الملكي الكريم سياسة عامة يجب أن تتحول لممارسة في جميع الجهات حيث يقول "إن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي نتوخاه من تلك البرامج والمستهدفات.
ونحن عازمون -بحول الله وقوته- على تحقيقها وإكمالها. إلا أننا نؤكد أيضًا أننا لن نتردد في إلغاء أو إجراء أي تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات تبين لنا أن المصلحة العامة تقتضي ذلك" انتهى الاقتباس.
هذه القيمة المهمة الثالثة التي يرسخها هذا الخطاب وهي المصلحة العامة التي فوق كل مستهدف وكل عمل، وهي البوصلة التي تدلنا على الطريق، وكما أشرت أعلاه فنحن أنجزنا بحمد الله كثيرا في مجال البنى التحتية واستقطاب الشركات العالمية وخفض نسب البطالة ومشاركة المرأة والنمو الاقتصادي القوي، لكن الاقتصاد آلة هائلة تتطلب صيانة مستمرة.
فالنمو الاقتصادي القوي يصاحبه – عادة – ظواهر مثل ارتفاع الأسعار في جوانب معينة، هنا كان الخطاب الملكي في مجلس الشورى شفافا ويضع المصلحة العامة في القمة وهو يحدد المشكلة المصاحبة للمرحلة بارتفاع في أسعار العقار السكني في بعض مناطق السعودية ويصفها بأنها وصلت إلى مستويات غير مقبولة، ما أدى إلى بعض التشوهات في القطاع وتسببها في ارتفاع متوسط تكلفة السكن بالنسبة إلى دخل المواطن، ثم يرسم الخطاب الحل في وضع سياسات تعيد توازن وتشجع الاستثمار في التطوير العقاري، ويتيح خيارات مناسبة ومتعددة للمواطنين والمستثمرين.
لم يكن العقار في هذا الخطاب إلا مثالا واضحا لما تعني كلمة المصلحة العامة وهي الهدف الأسمى وأن تغيير السياسات والمستهدفات أمر وارد في سبيل تحقيقها. وهكذا يجب أن ينظر كل مسؤول لما حققه وما يعمل على تحقيقه.
نقلا عن الاقتصادية