إدارة الأزمة

14/09/2025 0
علي المزيد

تمر المنشآت الاقتصادية بأزمات في مراحل متفاوتة من عمرها، والمنشآت الاقتصادية مثلها مثل الدول والأفراد تمر بأزمات، والدول حين تمر بأزمة تشكّل خلية أزمة للتفكير في حل، ولعل من أشهر الأزمات السياسية ما حدث بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي سابقاً فيما عُرفت تاريخياً بأزمة خليج الخنازير، وكادت الأزمة تؤدي إلى حرب نووية، ولكن شُكلت فرق أزمة في كلا البلدين وتم إيجاد حل سياسي يتلخص في أن تُفتَّش السفن الروسية من أميركا بعد أن جرى إفراغ الصواريخ المحمَّلة بها المتجهة إلى كوبا، ووُضع بدلاً منها القمح، لتحقق الولايات المتحدة الأميركية هدفها؛ وهو تفتيش السفن، ويسعد الاتحاد السوفياتي بفشل الاستخبارات الأميركية في الرصد، إذ إن حمولة السفن قمح وليست صواريخ. هذا الحل اتُّفق عليه من خلال خلية الأزمة ليحفظ ماء وجه الطرفين لدى الإعلام والشعوب، حيث لا منتصر.

في السعودية، تمر المنشآت الاقتصادية بأزمات، وبعض هذه المنشآت يُحسِن التعامل مع الأزمة وينجح في تجاوزها، والبعض الآخر يفشل في إدارة الأزمة، فتدوم عليه آثار الأزمة طويلاً نتيجة فشل المنشأة في التعامل معها.

في الآونة الأخيرة مرّت مطاعم «همبرغيني» بأزمة تسببت في تسمم بعض الزبائن، ورغم مرور بضع سنين على الأزمة فإن «همبرغيني» أعلنت إفلاسها هذه الأيام، ولعل أشهَر أزمة مرَّت بها منشأة اقتصادية سعودية هي أزمة مطاعم «شاورمر»، حيث جرى الاستغناء عن موظف سعودي ليخرج في السوشيال ميديا ويجد تعاطفاً وُصف معظمه بأنه خارجي ويهدف إلى تحطيم المنشأة التي بدأت تنطلق من المحلية إلى الإقليمية.

لا بد أن أذكر أن موقفي هو الحياد بين الموظف والشركة، مع تشديدي على الرغبة في استمرار كل منشأة اقتصادية في العمل، ذلك لأنها موظِّفٌ أساسي للقوى العاملة، مع تأكيدي أن الأخطاء واردة من طرفَي العلاقة؛ الموظف أو الشركة، وأن مجال الفصل في مثل هذه القضايا هي المحاكم العمالية، ولو لجأ أحد الطرفين إلى المحكمة العمالية لما احتجنا إلى كل هذا الضجيج الذي صاحب الحالة.

المنشآت الاقتصادية السعودية حديثة النشأة، لذلك يصاحبها بعض القصور في معالجة بعض الأزمات التي تمر بها. والشركات الكبرى سواء السعودية أو العربية بإمكانها تشكيل خلية أزمة دائمة، إذ إن ظروفها المادية تتحمل ذلك، لكن المنشآت المتوسطة أو الصغيرة ظروفها المالية لا تتحمل تشكيل خلية أزمة دائمة، لذلك يجب عليها ألا تتعامل مع الأزمة بمفردها، بل تستعين بمستشارين يمكنهم تقديم العون للشركة حتى تتجاوز أزمتها.

وأسباب أزمات المنشآت الاقتصادية في السعودية متعددة الجوانب، منها الخلاف الذي ينشأ بين الشركة وأطراف العلاقة أياً كانت أطراف هذه العلاقة، سواء موردين أو موظفين أو عملاء، وبعض المنشآت السعودية تتعامل بتسامح مع بعض موظفيها السعوديين، وقد تتحمل بعض أخطائهم رغبةً في الحفاظ على نسبة السعودة المطلوبة من الجهات المختصة، وفي حالة نشوء خلاف بين الشركة والموظف يكون هذا التسامح نقطة ضعف لدى الشركة في حالة تقديم شكوى للمحكمة العمالية، لذلك يجب على الشركات أن تكون حازمة مع موظفيها أياً كانت جنسياتهم؛ للحفاظ على حقوقهم. ومعروفٌ أن التوظيف في القطاع الخاص يرتكز على قاعدة الفصل والتعيين في آن واحد. وفي حالة نشوء خلاف بين الشركة والمورِّد فإن العقد المبرم بين الطرفين يكون هو المرجع لحل الخلاف، أما أصعب خلاف قد ينشأ فهو ما بين الشركة وعملائها.

ولنأخذ حالة عالمية لنشوء خلاف بين الشركة وعملائها، فشركة «دومينوز بيتزا» بصق بعض عمالها على البيتزا الجاهزة قبل تسليمها للزبائن وصوروا هذا الموقف، وانتشر، لتنخفض مبيعات الشركة.

سأختصر عليكم القصة وما يهم في هذا السياق وهو كيفية معالجة الأزمة؛ خرج المدير التنفيذي للشركة واعتذر لعملائه، وقال إن العمال الذين فعلوا هذا العمل الشنيع أُحيلوا إلى المحكمة لتقضي فيهم (وهذا موقف محايد من المدير؛ إذ ترك الأمر للقضاء)، وفعلاً، في النهاية أُدينوا وسُجنوا، ثم إن الشركة رفعت معايير السلامة داخل مطاعمها، ثم أوجدت تطبيقاً إلكترونياً يمكِّن العميل من خلال هاتفه النقال من مراقبة طلبه منذ بدء الطلب ومراحل التحضير حتى وصول الطلب إلى موقعه، مما زاد من ثقة العملاء، وتحسنت مبيعات الشركة.

نأتي إلى ما حدث قريباً في شركة تشيبوتل (Chipotle)، حيث حدثت لديهم حالة تسمم، وبدأت تزداد حالات التسمم، فشكَّلت الشركة خلية أزمة وبدأت تتتبَّع سبب المرض مع إطلاع عملائها على كل خطوة تخطوها، وبتتبع مصدر التسمم وجدوا أنه كان بسبب موظف مريض، وكانت أنظمة الشركة لا تسمح للمريض مرضاً بسيطاً بالتغيب، فسنّت الشركة نظاماً يسمح للمريض بالتغيب عن العمل. ورفعت درجة السلامة في فروعها ومع الموردين وكيفية فحص الطعام للتأكد من خلوه من التلوث، بالإضافة إلى مزيدٍ من إجراءات السلامة التي كانت تُطلِع عليها الجمهور، مما أعاد الثقة بمنتج الشركة تدريجياً.

اختصرت الحالتين العالميتين اختصاراً شديداً، ولم يكن هدفي استعراض الحالة بل إدارة الأزمة والخروج بحل؛ فعالمنا العربي منشآته الاقتصادية حديثة، ومن الطبيعي أن تمر بأزمات، وعليها أن تراجع طريقة معالجة الشركات العالمية للأزمات التي مرت بها، وكذلك مراجعة الأزمات التي مرت بها الشركات السعودية والاستفادة من معالجتها للأزمة، فإن كانت طريقة المعالجة صحيحة اتَّبَعَتْهَا، وإن لم تكن صحيحة تَجَنَّبَتْهَا. ودمتم.

 

نقلا عن الشرق الأوسط