هل فشلت قهوة «كوكاكولا»؟

10/09/2025 0
د. عبدالله الردادي

في عام 2019 أعلنت شركة «كوكاكولا» استحواذها على سلسلة المقاهي البريطانية «كوستا كوفي» مقابل 3.9 مليار جنيه إسترليني. نشرت حينها مقالاً بعنوان «المستقبل للقهوة»، في إشارة إلى اهتمام شركات المشروبات الكبرى مثل «كوكاكولا» بصناعة القهوة. هذه الخطوة بدت حينها مغامرة طموحة لتوسيع محفظة الشركة بعيداً عن المشروبات الغازية والدخول بقوة إلى سوق القهوة العالمي، وكان الحلم أن تتحول «كوكاكولا» إلى شركة مشروبات شاملة، تضيف إلى سجلها الطويل في صناعة المشروبات الغازية خبرةً في واحد من أكثر القطاعات نمواً في العالم. لكن بعد ست سنوات فقط، يخيّم ظل الخسارة على الصفقة؛ إذ تفكر «كوكاكولا» اليوم في بيع «كوستا كوفي» بأقل من نصف قيمة الاستحواذ، في لحظة تكشف عن الفجوة بين الطموح والواقع، فلماذا لم تنجح هذه الصفقة؟ وهل هو خطأ «كوكاكولا» أو أن السوق لم يخدمها بإنجاح هذا الاستحواذ؟

تكمن إجابة السؤال الأول في التناقض الجوهري بين نموذج الأعمال الخفيف لـ«كوكاكولا»، والذي يقوم على إنتاج المشروبات المركّزة وتوزيعها عبر شركاء عالميين، وبين نموذج سلسلة مقاهٍ يعتمد على إدارة آلاف الموظفين، واستئجار العقارات، وضمان تجربة يومية متكررة للزبائن. «كوكاكولا» لا تملك الخبرة الكافية في هذا النوع من العمليات الثقيلة. وعليه، فقد أصبحت «كوستا» دخيلة على منظومة عمل «كوكاكولا»، ثم جاءت جائحة «كورونا» لتزيد الطين بلة؛ فأُغلقت المتاجر وتراجعت الحركة في الشوارع، في حين تسارع المنافسون إلى تبني الطلب الرقمي وحلول التوصيل، حين عجزت «كوستا» عن مجاراة سرعة التغيير، حتى ماكينات الخدمة الذاتية (كوستا إكسبريس) التي انسجمت مع نموذج «كوكاكولا» لم تكن كافية لتعويض الخسائر.

وعلى مدى السنوات الماضية، تغيّر سوق القهوة بشكل عميق؛ فالمستهلك الذي كان يرتاد المقاهي يومياً أصبح أكثر ميلاً إلى إعداد قهوته في المنزل، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للبُنّ إلى مستويات قياسية عام 2024. كما أن الاتجاهات الجديدة في المشروبات، من «الماتشا» إلى البدائل النباتية، أصبحت جزءاً من الذائقة الشابّة المدفوعة بوسائل التواصل الاجتماعي، واستطاعت علامات مثل «ستاربكس» و«نيرو» استثمار هذه التحولات بمرونة وابتكار، في حين بدت «كوستا» علامة تقليدية تفقد بريقها في سوق سريع التغير. لكن المنافسة أدت دوراً لا يقل قسوة عن التحولات الاستهلاكية؛ ففي بريطانيا وحدها يواجه السوق ازدحاماً لافتاً؛ فقد أصبحت القهوة تباع في معظم المطاعم، وخرج جيل من المقاهي المستقلة التي تقدم قهوة ذات جودة عالية وتجربة مختلفة. وفي هذا المشهد المزدحم، عانت «كوستا» من غياب الهوية الواضحة؛ فلم تستطع أن تحسم موقعها بين مقهى شعبي بأسعار تنافسية، أو علامة راقية تضاهي منافسيها المتميزين، والنتيجة أنها ظلت في المنتصف، تخسر جاذبيتها أمام لاعبين أكثر وضوحاً وابتكاراً.

على المستوى المالي، ستضطر «كوكاكولا» إلى تسجيل خسارة ضخمة تقترب من مليارَي جنيه إسترليني، لكنها ستتحرر في المقابل من نشاط يرهقها تشغيلياً ومالياً. أما بالنسبة للمشترين المحتملين، سواء كانوا شركات استثمارية أو مجموعات غذائية كبرى، فإن الصفقة تحمل فرصاً لإعادة الهيكلة، ربما بالتركيز على ماكينات الخدمة الذاتية وتقليص عدد الفروع التقليدية، لكن هذه الخطوة لن تخلو من تداعيات اجتماعية؛ إذ توظف «كوستا» نحو 35 ألف شخص عالمياً، وأي تغييرات في البنية التشغيلية قد تعني إغلاق مئات الفروع والتأثير في آلاف الوظائف. أما على مستوى السوق البريطاني، فإن أي تغيير في ملكية أكبر سلسلة مقاهٍ محلية قد يعيد رسم خريطة المنافسة. منافسون مثل «ستاربكس» أو المقاهي المستقلة قد يجدون في إعادة هيكلة «كوستا» فرصة لاقتناص حصة سوقية أكبر، في حين سيبقى مصير المستهلك مرهوناً بتوازن دقيق بين الجودة والسعر في سوق تزداد فيه الحساسية للأسعار والتطلعات للجودة.

في نهاية المطاف، تبدو قصة «كوستا كوفي» تحت مظلة «كوكاكولا» بمثابة درس واضح في حدود التوسع الاستراتيجي؛ فليس كل استحواذ ناجحاً لمجرد أنه يفتح باباً جديداً في السوق؛ فالمهارة في إدارة نموذج تشغيلي مختلف، والقدرة على الابتكار، ومواكبة المستهلك، هي العوامل الحاسمة في النجاح. و«كوكاكولا»، رغم قوتها الهائلة في عالم المشروبات، لم تستطع نقل هذه القوة إلى مجال المقاهي، ولم تستطع الاستفادة من زيادة حجم سوق القهوة العالمي الذي زاد بما لا يقل عن 20 في المائة خلال أعوام الاستحواذ، ويُتوقع أن يزيد بنفس النسبة خلال الأعوام الخمسة المقبلة؛ أي إن المستقبل كان وما يزال للقهوة، ولكن هذا الاستحواذ أعطى نتيجة واضحة؛ أن الأسماء الكبيرة لا تضمن النجاح، بل المرونة والقدرة على التكيف هما ما يحددان من يبقى ومن يغادر ساحة المنافسة.

 

نقلا عن الشرق الأوسط