المرأة في مجلس الإدارة

24/08/2025 0
محمد الغملاس

شهدت السنوات الأخيرة بداية تحول في حوكمة تكوين مجلس الإدارة ومدى ارتباطها بأهداف التنمية المستدامة، ونظرًا لأن النساء لا يزلن يُشكلن أقلية في مجالس إدارة الشركات حول العالم، برزت قضية العضوية النسائية في مجالس الإدارة كإحدى الأهداف المنشودة ضمن أهداف التنمية المستدامة، وقد أصبح تنوع تركيبة مجالس الإدارة محور اهتمام متزايد سواءً من قبل صناع القرار والمستثمرين وعامل جذب للاستثمارات في أسواق المال، حيث يلعب التنوع دورًا هامًا في مناقشات مجلس الإدارة ويعد أمرًا أساسيًا لاتخاذ القرارات وإدارة المخاطر بفعالية، ويحد من خطر الإفراط في التفكير الجماعي، لذا يُعدّ التمثيل المتوازن بين الجنسين ليس مطلب اجتماعي أو سياسي بل ضرورة أستراتيجية تعزز وتساهم في دفع عجلة التنمية الشاملة، كما يُعدّ تنوع مجلس الإدارة من حيث الخلفيات، الجنس ومزيج من الخبرات المهنية عامل رئيسي يُسهم في خلق ثقافة أكثر تحديًا في معالجة القضايا الرئيسية في الشركة، وبالتالي زيادة المساءلة والشفافية التي من المرجح أن تُعزز القيمة على المدى الطويل.

على الرغم من أن مشاركة المرأة في مجالس الإدارة ظلت محدودة طوال الفترات السابقة، إلا أن التغيرات الاجتماعية والتنظيمية ساهمت بشكل مباشر في زيادة نسبة العضوية النسائية في مجالس الإدارة خلال العشر سنوات الأخيرة. ومن حيث واقع الممارسات العالمية، فقد سبقت دولة النرويج العالم من حيث التطبيق كأول دولة تصدر قانون إلزامي لعضوية المرأة في مجالس الإدارة مع بداية الألفية بإلزامية تصل إلى (40%) من مقاعد المجلس، مما شكل نقطة تحول عالمية، لتتبعها دول( فرنسا، إيطاليا، وأيسلندا) بتطبيق نفس النسبة.

أما دول المانيا، سويسرا وأستراليا فقد أصدرت قانون ملزمًا بأن لا تقل النسبة عن (30%) على الأقل من العضوية النسائية في مجالس الشركات المدرجة، وفي دولة البرتغال فقد حددت النسبة ب (33%)، أما فنلندا،الهند، كوريا، ماليزيا وهونغ كونغ (الصين) فتشترط مقعد وأحد على الأقل في المجلس وكذلك الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة والتى أصدرت قرار إلزمت فيه الشركات المدرجة بوجود مقعد واحد على الأقل في مجالس إداراتها في عام 2021م ليصل عدد عضوات مجلس الإدارة (141 سيدة) في عام 2024م بنسبة تصل ما يقارب (15%) من مقاعد مجالس الإدارة في الشركات المدرجة، كما صدر قرار آخر شمل الشركات الخاصة ودخل حيز التنفيذ مع مطلع عام 2025م.

وقد مرت هونغ كونغ (الصين) بمرحلة تحول في آلية التطبيق،امتدت لمدة ثلاث سنوات وأصبحت ملزمة من عام 2025م بالتدرج في التطبيق بحيث لا تُقبل طلبات الإدراج في حال وجود جنس وأحد في مجلس الإدارة.أما في المملكة المتحدة فتصل نسبة النساء في المجلس (30%)، وتم وضع هدف جديد للوصول إلى نسبة (40%) من العضوية في مجلس الإدارة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تفاوتت الولايات في عملية الإلزام، ففي ولاية واشنطن فقد صدر قانون يلزم الشركات المدرجة بأن لا تقل النسبة عن) 25%( من المجلس وذلك ابتداءً من عام 2022م، أما في كاليفورنيا، فقد أصدرت قانونًا يلزم الشركات المدرجة التى يقل مجلس ادارتها عن خمسة أعضاء أن لا تقل العضوية النسائية عن عضوتين و ثلاث عضوات في حال كان عدد المجلس أعلى من ذلك، وفي الولايات الأخرى فقد شجعت على ذلك دون تحديد نسبة أو إصدار قانون حتى تاريخة.

ومن حيث واقع الممارسات العالمية، فإن معظم الدول قد أصدرت قوانين ملزمة لتمكين العضوية النسائية في مجالس الإدارة مع تباين في عملية التوقيت والحد الأدنى فيما بين الدول ووضع مستهدفات تدريجية للوصول إليها قبل نهاية عام 2030م بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة.

وبالرجوع إلى التطور التاريخي فقد كانت البداية مع الأهداف الإنمائية للألفية، وحدث التطور الأكبر في عام 2015 مع إطلاق أهداف التنمية المستدامة والتي تطلبت في أهدافها الإفصاح والالتزام بجوانب الاستدامة وفق أهداف التنمية المستدامة (The Sustainable Development Goals- SDGs) والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2016م وقد نتج عن هذه التوجهات زيادة واضحة في عمليات الإفصاح والشفافية عن "ESG" البيانات غير المالية والوصول إلى تحسين الإفصاح في المعلومات المفصح عنها للمستثمرين.

وفي عام 2018م حدث تسارع بين الدول بشكل متتابع فقد وضعت العديد من الدول متطلبات لتشجيع مشاركة المرأة في مجالس الإدارة من خلال وضع بعض المتطلبات التنظيمية والحد الأدنى للعضوية في مجالس الإدارة.

أما من حيث البداية لتمثيل المرأة في مجالس الإدارة في المملكة العربية السعودية، فقد كانت في عام 2004م، بدخول السيدة لبنى العليان لمجلس إدارة البنك السعودي الهولندي في ذلك الوقت كأول امرأة سعودية، بالرغم من عدم وجود قوانين ملزمة.

ومُنذ ذلك الوقت حتى الآن، ظلت مساهمة المرأة محدودة بشكل كبير بالرغم من ازدياد عدد الشركات والتنوع الذي شهده السوق المالية، فقد بلغ عدد العضوات أقل من (55 سيدة) مقارنة بما يزيد عن (2447) مقعد في مجلس الإدارة لكافة الشركات المدرجة، لتصبح النسبة أقل من(3%).

وبالنظر إلي عدد المستثمرات في السوق نجد أن النسبة تشكل ما يصل إلي (25%) من إجمالي عدد المستثمرين وفق البيانات المنشورة حتى مطلع هذا العام. وبالإضافة إلي المبادرات الأخرى، من رؤية المملكة 2030 وبرامجها، التى تضمنت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بمنظور شامل وشهدت زيادة ملحوظة في مشاركة المرأة في سوق العمل لسد الفجوة ووضع الممكنات والمبادرات الداعمة لذلك والتى وصلت إلى نسبة تمكين تصل (36%) لتقترب من المستهدف بعد رفعة والمحدد بنسبة 40% بحلول عام 2030م. إلا أن نسبة المشاركة النسائية في مجالس الإدارة ظلت محدودة.

وأخيراً، تلعب الأنظمة والقوانين دورًا حاسمًا في التمكين والتفعيل، وباتت عضوية المرأة في مجالس الإدارة مؤشرًا على تطور الحوكمة وجودة القيادة في الشركات، وجزءًا من معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية التي تؤثرعلى سمعة الشركة،تصنيفها وجاذبيتها.

وسيظل التساؤل في ظل الممارسات العالمية حول آلية تمكين العضوية النسائية في مجلس الإدارة ومدى الحاجة لأدوات تنظيمية تشجع أو تلزم الشركات بالتنوع في مجالس الإدارة والإفصاح عن سياساتها؟

والجواب: سيتطلب المزيد من البحث والنظر في الممكنات التى تعزز من ذلك بشكل شامل، والنظر في تجارب الدول في إنشاء قوانين ومؤشرات للقياس لعدة أسباب من أهمها ارتباطها بالأنظمة الداخلية وثقافتها والأهداف الاستراتيجية وتهيئة البيئة المناسبة والدروس المستفادة من الدول الأخرى في الجوانب الاقتصادية، التنموية والاجتماعية، بهدف بناء التنوع في مجالس الإدارات ويدعم عملية اتخاذ القرار ويعزز من التوازن ما بين الجنسين.

وقد يكون الانتقاد المباشر لذلك اعتبارها تدخلًا في حرية الأسواق وإدارة الشركات أو أن تؤدي إلي تعيينات شكلية دون تحقيق الأهداف المرجوة، إلا أن واقع الممارسات العالمية يخالف ذلك، فعلى سبيل المثال: في البيئة التنظيمة لواقع الشركات المدرجة في المملكة، لا يوجد ما يمنع أو يحد من ذلك، ولكن قد يتطلب الأمر المزيد من التشجيع والتمكين في الأدوات التنظيمية الفعّالة، ومبادئ الحوكمة لتعزيز التنوع والافصاح في التقارير، وكذلك ينطبق الحال على اللجان المنبثقة من المجلس والتي ستعزز من ذلك.

لذا يُفضل مراعاة مبدأ التدرج في وضع الضوابط والمحفزات، مع اعتبار الخبرات،الجدارة والمهارات ضمن المعايير المطلوبة لتمكين تواجد المرأة في مجالس إدارات الشركات المدرجة في سوق المال والعمل على نشر الجانب التوعوي والتدريبي بما يتوافق مع أغلب الممارسات العالمية ويعزز من بناء اقتصاد شامل مستدام.

 

 
 
خاص_الفابيتا