الاقتصاد التكيفي

20/07/2025 0
فواز حمد الفواز

الاقتصاد دائما في حراك اي كان النموذج او المرحلة لاسباب موضوعية و طبيعية لذلك التوصيف دائما غير قاطع، لكن لاغراض العمود هناك اربعة انواع من الاقتصادات، الاول الاقتصاد المنتج الدينماكي مثل الصين و امريكا و كوريا و سنغافوره و دبي ( ليس الامارات) بغض النظر عن الحجم او المرحلة او حتى المديونية. الثاني، الاقتصاد النامي الذي يحاول النهوض بغض النظر عن العيوب الهيكلية و مدى النجاح و الفشل في التفاعل معها مثل تركيا و الهند و مصر و الارجنتين، و النوع الثالث متعب لاسباب غالبا جيوسياسية و لذلك لم يتضح له نموذج مثل سوريا و اليمن و باكستان و ربما العراق و بعض دول أفريقيا و بعض دول آسيا مثل مينامار. النوع الرابع ما اسميه النوع التكيفي، و هذا غالبا يدار من منطلق التكيف مع الثروة الطبيعية مثل النفط و الغاز، تحت هذا النوع دول الاوبك و اخرى. هذا نوع يغلب عليه ادارة تحاول استغلال الثروة لغرضين الاول تاسيس قاعدة اقتصادية حديثة مثل البنية التحتية المادية و المعرفية و حتى محاولات للتحديث و التغير، و درجة من الرفاه لأعلى عدد من السكان. الكفاءة تختلف حسب التمكين في الاستقرار السياسي بسبب كفاءة و شرعية النخب، و كفاءة الادارة التنموية. هناك تقطاعات بين هذه الأنواع و تطابقات لذلك التمييز سوف يستمر جدلي حسب درجة الدقة في التحليل و توجهات السياسات العامه و مدى نجاحاتها و درجة التركيز على انماط التصرفات و مدى وضوح التحولات و نقطة البداية و حتى رأي الاقتصادي. 

يتميز الاقتصاد التكيفي بطبيعته التوزيعية و التي تصبغ التصرفات و تظهر جلية في سلوك الافراد و جزء مؤثر من السياسات العامه ، كما انا هناك درجات في هذا السلم فهناك دول لديها من الموارد المالية ما يكفي لتحقيق فوائض مؤثرة من خلال حساب المدفوعات الجاري و بالتالي فرصه أطول للمحاولات و الاخطاء و التنعم بالثروة و حتى تقدم بعضه ايجابي التوجه و بعضه مظهري ، و هناك اخرى في توازن دقيق مهدد و هناك اخرى تعايش تحدي دائم لتسرب المال و بالتالي فرص اقل للاخطاء، و هناك اخرى بينهما. اول ما يقال عن الاقتصاد التكيفي انه يميل للتوسع على حساب النمو. اساس نموذج الاقتصاد التكيفي توزيع المال من مصدره الى جزئين الاول لغرض التنمية و الاخر لغرض الاستهلاك. التحدي الاداري في الاحتكاك بين هذين الغرضين مقابل فرص زرع بيئة تقدم و المدة الممكنه للمناوره. بما ان عنوان العمود في دائرة التكيف فنحن جوهريا في ميدان التصرفات العامه و الخاصه. رصد التصرفات دائما صعب لان لكل غرض نقاط بدايه و سرعة او حتى سرعات مختلفة، كما ان العلاقة في تفاعل يعبر عنه التجاذب بين الاستهلاك و الاستثمار و الاقتراض.   

فالعلاقة بين الاستهلاك و الرفاه حساسة، فبينما الاستهلاك ضروري و جزء اساس من معادلة الدخل القومي الاجمالي، درجة الرفاه مغرية و جاذبة للكل حسب الانضباط الفردي و المجتمعي. حجم الاستهلاك يحدده المقبول اقتصاديا و اجتماعيا و خاصة للاغلبية من العامة تحت الطبقة الغنية، هنا اتفادى تقسيم دقيق للفئات لاسباب عملية و حتى نظرية تعود لقبول الحراك و المرونة و الاستقرار. ايضا عمليا لابد من قبول درجه من الرفاه و المظهريات لان توزيع الدخل بطبيعته غير متعادل و ايضا بقوة التقليد و حتى الغيره التي نشهدها بين الناس. اشكالية الرفاه تكون اعلى في ما يسميه الاقتصاديون " الفيلة البيضاء"- المشاريع الكبيرة دون مردود واضح. احد اهم عواقب المبالغة في الاستهلاك و الرفاه العلاقة مع التموضع المجتمعي نحو العلم و التعليم و الانتاجية و فرز الناس، فمثلا في التعليم تجد لهف على الشهادات العليا دون تمحيص.

التكيف يلقي بظلاله على الطريق الاسهل للتعلم و التمركز الشخصي و اللباقه و الحظ. الجزء الأصعب في معادلة الاقتصاد عامة و التكيفي خاصة في العلاقة بين الاستهلاك و الاستثمار لان المال لن يكفي في المدى المتوسط و الطويل لاسباب كثيرة منها ان اسعار النفط و الغاز لم تجاري حتى التضخم على مدى الاربعه عقود الماضية، خاصة ان هناك ضغط مستمر بسبب النمو السكاني و الهجرة الاقتصادية والاستهلاكي و تقدم الاخرين. لذلك الاقتصاد التكيفي دائما تحت ضغط. كل دول الاقتصاد التكيفي تعي حجم التحدي و لذلك تسعى لمحاولة تاجيل اليوم الصعب و بعضها لديها الطموح في الانتقال الى مجموعه اخرى. التصرفات ممثلة بما يسميه الاقتصاديون الطريق المعتاد- استمرار الممارسات بطرق اخرى لا تسمح بنقاش بناء لتغيير التصرفات على امل حل مختلف. فمثلا، المراهنة على تغيير التصرفات دون تعامل واضح مع العلاقة مع الوافد اقتصاديا اقرب للمثالية و التهرب من الواقع (تعاملت مع الموضوع في مقال سابق- اقتصاديات نفط ثانوية!).

انماط التصرفات تتغير اساسا من خلال تغير العلاقة مع الاعمال المباشرة و طبيعتها و العلاقة بين الفئات في المجتمع انتاجيا، الرسالة العملية التي تلامس العلاقة بين المصلحة و الدور تصل لكل منا دون اعلانات رسمية، اذ يقرأها الجميع بسهوله، فكلما يبالغ في دور التوزيع و تفرعاته كلما تضعف هذه العلاقه. حماية المواطن من قوى الانتاج تأكيد لاستمرار ضعف الانتاجية و استمرار اقتصاد و تصرفات تكيفية معه، مقاومة الطريق المعتاد تصدم بالواقع في تصرفات الناس اي كان مركزهم المالي او الاجتماعي و احيانا حتى التعليمي. الانتقال الى مدار آخر يعني مقاومة الواقع و بالتالي سرعان ما تلاقي مقاومة من الاغلبية لاسباب معيشية نصف مقبولة او تمركزية في تعظيم مصالح احيانا غير متجانسة مع المصالح العامة كاحد اشكال الفساد الظاهر او المقنع كما في مقارنات سطحية مع الاخرين. احد الأمثلة في مقاومة الواقع المريح  و لكنه غير مستدام يأتي في تعريف الاستثمارات. كفاءة و دقة الاستثمارات هي ميدان الانتقال لاقتصاد مختلف. الاشكالية ان بعض الاستثمارات ماهو الا طريق استهلاكي من الدرجة الثانية- فهو يستهلك بضاعة اجنبية لمردود فردي لا يخلق قيمه مضافه لا يريده ان يتوقف.

البعض الآخر من الاستثمارات يدخل في دائرة الافيال البيضاء في تداخل بعضه حميد و بعضه عاله مستقبليه، الفروقات تضيع في اغلب الأحاديث لانه على سبيل المثال لايمكن ان تجادل ضد طريق. الاستثمارات التي يقودها روح المبادرة و الابداع قليلة نسبيا لان نمط التكيف مع الطبيعة التوزيعية في تجاذب غير صحي يميل لاستغلال الانفاق العام. بل ان التجريب الضروري للتقدم و الابداع يخيف البعض لانه ممكن ان يكدر على استقرار معادلة التوزيع. يقول كينز ان الاستثمار يقوده "النزعة الحيوانية" عند البشر في الطمع و الطموح، و لكن حين يجد الناس طريق مختصر سوف ياخذون به لانه اسهل و اسرع و سوف يتشدقون بدور محدود كتاجر يعرف نفسه بانه رجل اعمال. مصير الاستثمارات غالبا في ثنايا النقاش الغير مكتمل لاسباب تعود الى الخلط بين الاستهلاك - الرفاه و الحاجة العامة للاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي المتفق على اغلبها، و تحاول النخب في استمرار التوازن الصحي قدر الامكان، بل غالبا هناك انجازات و لكن الخلاف على مدى السرعه و الاستدامه. 

واقعيا التكيف من سمات الذكاء و لذلك ليس الهدف التقليل من شأن التكيف لان البعض لم يجيده، و لكن الهدف هو الوعي بالمرحلة و طريقة اخرى للقياس و استكشاف منافذ اخرى للتقدم خاصة ان التصرفات تتشكل في مساحات السياسات و تتفاعل معها. موضوع الريعية و المرض الهولندي و غيرها من العنوانين ليست جديدة و لكن حاولت في هذا العمود التركيز على "التصرفات" لان الاقتصاد السلوكي و دور الثقافات و التاريخ الاجتماعي اصبح مركز اهتمام لكل المختصين في التنمية الاقتصادية، فمثلا قد يلاحظ المهتم انني وظفت مصطلح "الرفاه" في سياق المبالغة في الاستهلاك للافراد و في الاستعداد للافيال البيضاء في الطرح العام. سوف يجد الكثير مهرب سهل في صعوبة رصد التصرفات، و لكن لو سألت اي فرد سوف يرشدك للمعقول المقبول و غير المقبول في تناغم مجتمعي رتيب. في الاخير هناك اربع نواحي، الاولى، لابد للسياسات العامه ان تاخذ من رفع إنتاجية الموارد فرديا و جماعيا بوصلة للإدارة الاقتصادية و التنموية. و الثانية انه لابد لكل دولة من نموذج خاص بها للتنمية، فليس هناك نموذج معلب ممكن ان تستعيره دوله من اخرى. الثالثة، لابد من اعادة تاهيل مؤسسة المنافسه. الرابعه، الانتقال من التكيف للتطوير محفوف بالمخاطر و لذلك لابد للمالية العامه من حرص غير عادي. التصرفات حاضرة في كل ثنايا هذه النواحي بقوة. التصرفات عامل مساعد او مضبط حسب اليقظة و النشاط و الدقة في ادارة هذه النواحي الأربع.

 

 

خاص_الفابيتا