زلزال ترامب الضريبي: تحفيز أمريكي أم صدمة مالية عابرة للحدود؟

03/07/2025 0
محمود جمال سعيد

في خطوة اعتُبرت من الأكثر جرأة في تاريخ السياسة المالية الأمريكية، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع القانون المقترح مسبقًا من الرئيس دونالد ترامب لخفض الضرائب في تحول يعكس انزياحًا عميقًا في فلسفة التدخل الحكومي. فقد خُفّضت ضريبة الشركات من 35% إلى 21%، وتوسعت التخفيضات الضريبية للأفراد، في مسعى معلن لتحفيز النمو وجذب الاستثمارات. لكن هذه الخطوة، رغم ما حملته من انتعاش قصير الأجل في الأسواق، أثارت جدلاً واسعًا بشأن استدامة العجز المالي الأمريكي وتداعياته العالمية على المدى الطويل، التقديرات تشير إلى أن القانون سيضيف أكثر من 3.3 تريليون دولار إلى الدين العام خلال أقل من عقد، ما يرفع إجمالي المديونية إلى ما يفوق 40 تريليون دولار بحلول نهاية العقد. هذه القفزة تأتي في غياب رؤية إصلاحية موازية لضبط العجز أو معالجة التشوهات الهيكلية في النظام الضريبي. مكتب الميزانية في الكونغرس حذر من أن التخفيضات ستُعيد توزيع العبء لصالح الشرائح الأعلى دخلًا، وتُفاقم من عدم المساواة الاجتماعية، في وقت تتسع فيه الفجوة الاقتصادية بوتيرة مقلقة.

المخاوف لم تقف عند الداخل الأمريكي. مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أعربت عن قلقها مما وصفته بسباق "نحو القاع"، حيث تسعى الدول، تحت ضغط المنافسة، إلى تقليص الضرائب لجذب رؤوس الأموال، ما يهدد بإضعاف قدراتها على تمويل البنية التحتية والخدمات العامة. أما وكالات التصنيف الائتماني، فقد ربطت استمرار هذا المسار برفع احتمالات خفض التصنيف السيادي الأمريكي، لا سيما إذا تواصل العجز دون معالجة جادة. فكل توسع في العجز يزيد من الحاجة إلى تمويل عبر الاقتراض، الأمر الذي يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع الفائدة، فيرفع معه كلفة الدين ليس فقط على الولايات المتحدة، بل على الاقتصاد العالمي بأسره.

هذا السياق يضع الأسواق الناشئة في موقف حرج. إذ يؤدي تشديد السياسة النقدية الأمريكية إلى تقليص جاذبية الأصول عالية المخاطر، ويدفع بتدفقات رأس المال إلى الخارج، ما يزيد من هشاشة تلك الأسواق. العديد من هذه الدول تجد نفسها أمام معادلة صعبة: إما الدفاع عن استقرار عملاتها من خلال رفع الفائدة، أو الحفاظ على تحفيز النمو المحلي بتكلفة تمويل باهظة. ومع اتساع الضغوط، تبدو خياراتها المالية محدودة، بين التوسع في الاستدانة أو خفض الإنفاق العام، وكلتاهما تقود إلى تباطؤ اقتصادي يهدد أهداف التنمية.

في الخليج، يبدو التأثر مضاعفًا. ارتباط العملات بالدولار يُحتم على البنوك المركزية مجاراة سياسة الفيدرالي الأمريكي، ما يعني أن أي زيادة في الفائدة هناك تُترجم فورًا إلى ارتفاع في كلفة التمويل المحلي. هذا التغير يضغط على قطاعات محورية مثل العقارات والصناعة، ويُهدد بإبطاء خطط التنويع الاقتصادي التي تُعد ركيزة لرؤية ما بعد النفط. وإلى جانب ذلك، فإن التحول في البيئة الضريبية العالمية لصالح الولايات المتحدة قد يُعيد توجيه استثمارات كبرى بعيدًا عن المنطقة، ما يستدعي مراجعة شاملة في السياسات التحفيزية الخليجية.

مع ذلك، لا يخلو المشهد من فرص كامنة. فإذا تحقق السيناريو التفاؤلي لنمو الاقتصاد الأمريكي، فإن الطلب المتزايد على الطاقة والمواد الخام قد يُعزز من الإيرادات الخليجية، ويُعيد ترتيب الأولويات نحو تسريع الإصلاحات الهيكلية وتحسين كفاءة الإنفاق وتحرير بيئة الأعمال. فالضغوط العالمية قد تُشكل محفزًا خارجيًا لتسريع وتيرة التغيير الداخلي. لكنّ جوهر القضية يتجاوز الأرقام والسياسات. فالمسألة تتعلق بإعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، وبالتحولات التي تعصف بالنظام المالي العالمي. ما حدث ليس مجرد تعديل ضريبي، بل زلزال سياسي اقتصادي أعاد توزيع كُلفة النمو الأمريكي على حساب استقرار مالي عالمي هش. وإذا لم تُقابل هذه الصدمة بإصلاحات حذرة واستباقية من قبل الاقتصادات الكبرى والناشئة على حد سواء، فإن تداعياتها قد تكون أوسع من أن تُحتوى. في هذا العالم المضطرب، تصبح المرونة الاقتصادية والتخطيط بعيد المدى أدوات لا غنى عنها لتفادي الانجراف خلف موجة من الاضطرابات المالية الجديدة، قد تكون أشد وقعًا من سابقاتها.

 

 

خاص_الفابيتا