مراجع الحسابات وعلاقته بالمساهمين ومجلس الإدارة

17/06/2025 0
محمد الغملاس

 تُعد القوائم المالية الهدف الرئيسي لتعيين مراجع الحسابات الخارجي، كما تعد مقياس لأداء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية خلال فترة زمنية سابقة وفي الوقت نفسه تعطي مؤشراً لقراءة مستقبلية للمستقبل ومصدر هام لثقة المتعاملين في بيئة الأسواق المالية، وتعد أيضاً وسيلة يُحاسب المساهمون أعضاء مجلس الإدارة بناءً عليها. وتتمحور تلك الركائز الثلاث (مراجع الحسابات، المساهمين، ومجلس الإدارة) كعناصر رئيسية لمقومات حوكمة الشركات المساهمة وفق التسلسل التالي:(كمراقب، مستفيد ومسؤول). وتؤدي دوراً جوهريا في إرساء قواعد الحوكمة، من خلال أكثر من جانب فالمساهمون يختارون من يمثلهم، يعظم العوائد المالية وكذلك من يراقب ويبدي رأياً حول ذلك الأداء، وترتبط تلك الأركان بعوامل مشتركة في التعيين والعزل من خلال الجمعية العامة للمساهمين، أولا بتعيين أعضاء مجلس الإدارة وكذلك بتعيين مراجع الحسابات لممارسة أعمال المراجعة على القوائم المالية وإبداء الرأي برؤية مستقلة لتقييم التقارير المالية التي تعدها الإدارة وتدرسها لجنة المراجعة المنبثقة من المجلس ليعتمدها مجلس الإدارة وتتاح للمساهمين وذلك بهدف ضمان أن التقارير تعكس بدقة أداء الشركة خلال الفترة السابقة. كما تلعب لجنة المراجعة دوراً هاماً في الإشراف على إعداد القوائم المالية وتقع كامل المسؤولية على مجلس الإدارة في إعداد القوائم المالية واعتمادها.

وقد نشأت فكرة مراجع الحسابات الخارجي بشكلها الحديث والمنظم في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية نتيجة فصل الإدارة عن الملكية وانتشار مفهوم الشركات المساهمة وما لحقها من أزمات إلا أن وجود المراجعة يعود إلى العصور القديمة، ففي المملكة المتحدة ظهرت فضيحة السكة الحديدة في أربعينات القرن التاسع عشر كفقاعة استثمارية مبكرة أدت إلى خسائر فادحة لشريحة كبيرة من المستثمرين مما تطلب استحداث قانون لإجراء عمليات المراجعة من قبل جهة مستقلة لإقناع المساهمين بتلك التقارير والحد من أي تجاوزات وضمان العدالة و إبداء رأي مستقل عن تلك التقارير، ويكتب مراجع الحسابات تقريره بناءً على ثلاثة عناصر رئيسية: نطاق العمل، الأهمية والأمور الرئيسية للمراجعة. كما تمر منهجية عملية المراجعة بأكثر من مرحلة منذ التعاقد حتى صدور التقرير أهمها (التخطيط، التنفيذ والاستنتاج).

ومن حيث المملكة العربية السعودية فتعد أولى الدول العربية في تنظيم مفهوم المراجعة الخارجية منذ صدور نظام الشركات في منتصف الستينات، فقد أعطى التنظيم اهتماماً بالغاً لدور مراجع الحسابات في نظام الشركات فقد نص على آلية التعيين والعزل والاعتزال والعقوبات ووضع الأطر الرئيسية في ذلك لحوكمتها من حيث الوقت الزمني والإجراءات وترك بعض الخصائص لطبيعة كل شركة حيث لم يحدد النظام حداً أعلى لعدد المراجعين المعينين لكل شركة وترك الأمر للشركة في أحقيتها بتعيين أكثر من مراجع بعد موافقة الجمعية العامة للمساهمين على التعيين أو العزل وتحديد الأتعاب والمدة الزمنية لعمل المراجع وأحقيته بالاعتزال عن تأدية مهامه بإبلاغ السبب إلى مجلس الإدارة والمساهمين في الجمعية للنظر في ذلك ويحق له توجيه دعوة إلى الجمعية العامة المساهمين، وقد خفف النظام مؤخرا من وجوب الإلزام للشركات متناهية الصغر والصغيرة بتعيين مراجع حسابات إلا في حالات معينة.

في المقابل يلزم الشركات الأخرى بتعيين مراجع حسابات، ومنع النظام أحقية التملك أو المصلحة في الشركة محل المراجعة وحددت اللوائح حداً أقصى لعمل المراجع في الشركة المدرجة بما لا يتجاوز سبع سنوات وعلى ضوء تلك الممارسات الحوكمية لأعمال المراجع وارتباطها بالشركة المساهمة لم تختلف الممارسات العالمية كثيراً من حيث آلية التعيين او العزل ومسؤولياته ومدى استقلاليته وأحقيته في الاطلاع على الوثائق والسجلات وتمكينه من الحصول على البيانات والإيضاحات التي يطلبها من أجل تقديم تقرير عن القوائم المالية للشركة وفقًا لمعايير المراجعة ومدى عدالة القوائم المالية للشركة، مخالفة الشركة لأحكام نظام الشركات أو نظامها الأساسي في حدود اختصاصه وأكد النظام على حضور مراجع الحسابات للجمعية العامة السنوية خلال ستة أشهر من انتهاء السنة المالية للشركة، وأن يتلو ويناقش تقريره ويتحمل مسؤولية ما ورد في تقريره، ويعد قرار الجمعية على البند باطلاً في حال عدم القيام بذلك.

ومن حيث الاختلافات بين الدول فقد تباينت من حيث المدة الزمنية لبقاء المراجع والحد الأدنى لعدد المراجعين فعلى سبيل المثال لا الحصر أجمعت أغلب الدول الأوربية على حد أقصى لعمل المراجع في الشركة لمدة تصل عشرين سنة مع تغيير شركاء التدقيق كل سبع سنوات على الأقل وفق المعايير الأخلاقية للمراجع وانفردت دولة فرنسا بخصائص معينة في عدد المراجعين المعينين حيث قيدت العدد بأن لا يقل عن مراجعين اثنين للشركات المساهمة كحد أدنى.

غالبا ما يسعى مراجع الحسابات إلى عدم تقديم أي معلومات إضافية تتجاوز نطاق عمله لأن مراجع الحسابات في معظم دول العالم يتحمل مسؤولية غير محددة فيما يقدمه فكلما زادت المعلومات المقدمة زاد احتمالية تعرضه لمزيد من المخاطر، وقد حددت دراسة قام بها السير دونالد بريدون (Sir Donald Brydon’s) لجودة وفعالية التدقيق في المملكة المتحدة العديد من التوصيات لتحسين عملية التدقيق حيث يرى أن المراجعة قد فقدت مسارها وأنه ينبغي أن يركز أكثر على الإبلاغ للمستفيد النهائي ليكون تقريره النهائي يتكون من تقييم، تأكيد وإبلاغ. وتوسيع نطاق التدقيق وأن يكون منفصلاً عن الأعمال الأخرى ويتجاوز التدقيق فحص البيانات المالية ليعكس جوانب أوسع من قدرة الشركة على الاستمرار بيان المرونة وتفعيل دور المساهمين في طرح الأسئلة على مراجع الحسابات في الاجتماع السنوي واقتراح أي مسائل يرغبون في تغطيتها. كما أكدت الدراسات ان هناك علاقة طردية لأتعاب مراجع الحسابات ومستوى الابلاغ عن أمور المراجعة فعندما تزيد الأتعاب يزيد مستوى الإبلاغ.

وأخيراً، من مبادئ الحوكمة التي قد يكون من المناسب تطبيقها لتعزيز الدور التكاملي للركائز الأساسية للشركة من حيث اختيار المراجع الخارجي المناسب بدءًا من لجنة المراجعة ووضع المعايير اللازمة للمرشحين من عدد سنوات الخبرة الكفاءة ،القدرة، استقلالية، الارتباطات السابقة، الأتعاب، الخبرة في القطاع، سريان الترخيص، حجم الفريق، الاطلاع على تقارير الشفافية… وغيرها وصولاً لتوصية المساهمين في الجمعية باختيار أحد المراجعين، وتفعيل دور لجنة المراجعة بمتابعة من مجلس الإدارة في الإشراف والتواصل الفعال مع المراجع والإدارة، بعد ذلك وضع الإجراءات الحاكمة، توفير الأدلة ذات العلاقة، الخطة اللازمة لضمان اكتمال التقارير في الوقت المحدد، الالتزام بالسرية، التقييم المستمر لأداء المراجع، والاستماع إلى التحديات التي يواجها، معالجة ملاحظاته على نظام الرقابة الداخلية، مراعاة الجدول الزمني لتعاقب المراجعين، كما أنه لا يوجد ما يمنع من وجود ارتباط تعاقدي لأداء أعمال المراجعة لأكثر من سنة مالية مع مراجع الحسابات الخارجي عند اختياره، ولا يحق لمجلس الإدارة تمديد فترة عمل المراجع بل لا بد من عرضها على الجمعية العامة للمساهمين، وبنهاية عام 2024م وصل عدد المكاتب المرخص لها بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة أكثر من 400 مكتب، أما الحاصلة على ترخيص لمراجعة الشركات المدرجة تصل إلى ستة عشر مكتباً، لذا يعد تفعيل دور المراجع الخارجي عنصراً أساسياً في تطبيق وقياس الحوكمة في الشركة والتي تسهم بتعزيز الرقابة، الشفافية و المساءلة، كما يرتبط المراجع بشكل كبير بالمساهمين كجهة مستقلة لإبداء الرأي لهم كونهم الجهة التي يمثلها.

 

 

خاص_الفابيتا