فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم برفع العقوبات عن سوريا. من الرياض، واستجابة لطلب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أعلن ترمب قراره الذي فاجأ به مسؤولي إدارته قبل الآخرين، ما دفعهم للعمل وفق إجراءات سريعة لتنفيذه، ومن المفاجآت المفرحة، لقاء ترمب والرئيس أحمد الشرع، وفتح باب الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، بما يسهم في ترسيخ أمن واستقرار سوريا، وتنميتها، وتعزيز اقتصادها، وإعادة إعمارها وفق مشروع تنموي شامل، تطورات سريعة كانت المملكة سببا رئيسا في حدوثها، وكان لسمو ولي العهد الدور الرئيس في الترتيب لها من خلال تفاهمات ومشاورات مكثفة مع الرئيس الأميركي، نجحت الدبلوماسية السعودية في إعادة سوريا للمجتمع الدولي، ودعم أمنها واستقرارها، وحشد التأييد الدولي لها، ومساعدتها في ترتيبات إعادة الإعمار، وبناء الاقتصاد، وإطلاق البرامج الإصلاحية.
تهتم المملكة بمصالح الدول العربية، وتعمل على دعمها ومعالجة التحديات التي تعترضها، وتجعلها من أولوياتها الرئيسة، وتقدمها في بعض الأحيان على شؤونها، فتأخذ حيزا لا يستهان به من لقاءات القيادة مع زعماء دول العالم، وتكون محورا رئيسا في القمم التي تحتضنها المملكة، مارست المملكة دورها القيادي الفاعل في جميع القضايا والأزمات العربية، وطرحت الحلول الناجعة لمعالجتها، وتحولت الرياض إلى منصة عالمية للقمم الهادفة لترسيخ أمن واستقرار وتنمية المنطقة، ومعالجة قضاياها الملتهبة، غير أن تفهم حكومات الدول الباحثة عن مخرج لقضاياها الشائكة لأهمية وفاعلية الحلول المطروحة تحكم المخرجات، وتُشكل النتائج النهائية.
وفي الملف السوري، كانت الحكومة السورية على قدر من الوعي بأهمية التعاون مع القيادة السعودية، للوصول إلى الحلول المرجوة. حضرت الثقة، والرغبة الإصلاحية، و توافق الرؤى الوطنية بين قيادتي البلدين، وبما يحقق مصلحة وأمن واستقرار سوريا والمنطقة، بعيدا عن التدخلات الخارجية، فتحققت النتائج الإيجابية التي فاجأت الجميع، وأحسب أنها لم تفاجئ القيادة السعودية الأكثر اطلاعا على تفاصيل القضية، والنتائج المتوقع تحقيقها، كنتيجة مباشرة للجهود المبذولة، والقدرة على التأثير وتحقيق النتائج المرجوة التي تصب في مصلحة الجميع. رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيفتح أبواب التنمية والإصلاح وإنعاش الاقتصاد، وإعادة إعمار البنى التحتية، والسماح بتلقي المساعدات الدولية، ودخول الشركات العالمية. كما أنها سترفع القيود المفروضة على المصرف المركزي السوري، والقطاع المالي والتعاملات المالية الدولية.
إعادة النظام المالي السوري إلى منظومة سويفت المالية من أولويات العقوبات المنتظر رفعها، لأهميتها القصوى في تمكين المصرف المركزي، و ربط النظام المالي السوري بالنظام المالي العالمي، والسماح بتدفق الأموال عبر نظام «سويفت» ما سيسهل تدفق الاستثمارات و تلقي المساعدات المالية، ودخول الشركات العالمية والبدء في إطلاق مشروعات إعادة الإعمار، إضافة إلى عودة القطاع المصرفي للعمل بكفاءة معززة لمتطلبات مرحلة الإعمار والتنمية، وتجنيب رجال المال والأعمال والشركات الأجنبية عقوبات أميركية في حال تعاملهم مع الحكومة السورية.
عزل سوريا عن النظام المصرفي الدولي وحظر العديد من الواردات الدولية تسبب في وقف التدفقات الاستثمارية، والمساعدات المالية، وأصاب الاقتصاد بشلل تام انعكس على قيمة الليرة السورية، وحرم الشعب السوري من استيراد احتياجاته الأساسية، وفي مقدمها الاحتياجات الغذائية والدوائية والسلع والمنتجات بأنواعها. الليرة السورية من أكثر المستفيدين من رفع العقوبات وتدفق الاستثمارات الأجنبية، المعززة لاحتياطات البنك المركزي، وبالتالي استقرار الليرة، وتحسن صرفها أمام العملات الأجنبية الأخرى، ما ينعكس على معيشة الشعب السوري والقيمة الشرائية.
رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا والعقوبات المفروضة على الحكومة السورية سيسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية والاقتصادية، ويفسح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية التي ستسهم في إعادة بناء الاقتصاد، وسيدعم حكومة الشرع ويمكنها من تنفيذ برامجها التنموية، وتمكينها من ممارسة أعمالها على الوجه الأكمل، والمضي قدما في تنفيذ برامجها وتوثيق علاقاتها مع المجتمع الدولي، وسيسهم أيضا في وقف التغلغل الإيراني، وتجفيف جيوبه الداخلية، والحد من تأثيره المباشر على الاقتصاد السوري، وبما ينعكس إيجابيا على أمن واستقرار سوريا، وبالتالي أمن المنطقة، والنأي بها عن التدخلات الخارجية.
انعكاسات مهمة، لقرار رفع العقوبات الأميركية والدولية على الاقتصاد والبنى التحتية والخدمات ومعيشة الشعب السوري، في الوقت الذي سيسهم فيه قرار عودة سوريا إلى النظامين المالي والتجاري العالميين في انتعاش قطاعات الاقتصاد، وحركة التجارة البينية، وتدفق الأمو ال، وهي أمور وإن عظم أثرها، تشكل في مجملها مرحلة أولى من مراحل إعادة البناء، التي تتطلب الكثير من الجهود الحكومية، والشعبية لإنجاحها، وفي مقدمها ترسيخ الأمن، وبناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وإعادة بناء القطاع المالي ومؤسساته وفق اللوائح والأنظمة الدولية، وحمايته من المخاطر الداخلية والدولية.
نقلا عن الجزيرة