منذ عقود قليلة اصبح واضحاً التوجهات الاستثمارية العالمية الى اين حددت بوصلتها، فكانت الصين وشرق اسيا عموما موطناً لها وهو ما يفسر ان جل المنتجات التي تستخدم بالعالم وسلاسل الامداد تأتي من الشرق، وظهر ذلك بشكل اكبر في جائحة كورونا، ولكن بذات الوقت فإن التنافس الامريكي - الصيني اولاً وكذلك مخاوف العالم من ان يعتمد على دولة واحدة لتنتج له جل اجتياحاته يعد امراً خطيراً جداً، مما اعاد النظر بتوزيع الاستثمارات من جديد، فظهرت الهند ودول آسيان بالإضافة لبعض دول اميركا الجنوبية لتكون وجهات لإنشاء مصانع ومرافق تخدم صادرات ما ينتج فيها، وبالتأكيد كانت الاعين على دول الشرق الاوسط وافريقيا، لأنها تملك امكانيات هائلة للنمو وتظهر الرغبة بالاستثمار في دوله، خصوصا التي تتمتع ببنى تحتية حديثة وتقدم تقني واستقرار اقتصادي وسياسي وقوانين وتشريعات جاذبة للاستثمار وحافظة للحقوق.
لكن في المرحلة الحالية التي يعيشها العالم اليوم التي تشهد تسارعا كبيرا في استكمال تشكل النظام الدولي الجديد والذي يعد عصراً اقتصادياً قائماً على التحول نحو الرقمنة والتطور التكنولوجي في خدمة البشرية والتنمية بكافة القطاعات الاقتصادية، فإن توجهات الاستثمار اصبحت اكثر دقة في اختيار الانشطة والمجالات لتواكب العصر الحديث كالاستثمار في الذكاء الاصطناعي وكل ما يدخل في صناعة الروبوتات والمعالجات الذكية التي تستخدم فيها، حيث اصبحت جزءا من الامن القومي لبعض الدول ويمنع بيعها الا بموافقة حكومات الدول التي تنتمي لها الشركات المصنعة، لكن السؤال المهم هل منطقتنا تنافسية على مستوى دولي واسع لتكون في الصف الاول بعالم استقطاب الاستثمارات والتي تحتاج معها المنطقة لعوامل عديدة بدايةً من حل كافة الملفات الجيوسياسية، فالأحداث الحالية في لبنان وغزة والفوضى ببعض الدول التي عصفت بها الاحداث منذ احتلال العراق في 2003 الى ما يسمى زوراً الربيع العربي شكلت تحدياً كبيراً لجذب المستثمرين للمنطقة، لكن نجاح دول الخليج بوضع رؤي تنموية مع اوضاعها المتينة بكافة المناحي ساهمت بتنشيط حركة الاستثمار بما يعد انجازاً كبيراً عطفاً على المشهد العام للشرق الأوسط.
لكن الوقت الحالي والمستقبلي يتطلب جهداً مختلفاً للوصول لتنافسية حقيقية، فبيت القصيد هنا هو نوعية الاستثمارات وحجمها بما يتوافق مع الامكانيات التي يجب استثمارها وايضاً ما يتوافق ويتماشى مع اتجاهات الانشطة والقطاعات والصناعات والخدمات بشكل عام التي تتجه لها الدول المتقدمة، فهناك حاجة للتركيز على ما تطلبه الاسواق والاحتياجات الملحة اضافة للعمل بشكل موازٍ على توطين الابحاث والابتكارات، فمن المهم ان تكون المنتجات التي تتجه لها الصناعة في المملكة باعتبار ان القطاع الصناعي سيكون اهم ركائز الاقتصاد وداعما رئيسيا للتمكن من تحقيق هدف استراتيجي بأن تكون المملكة دولة رئيسية في سلاسل الامداد، فإن البحث في نوعية الصناعات المطلوبة للمستقبل وتوفير البيئة المناسبة لجذبها تنظيماً وتمويلاً سيكون له اثر كبير ومهم في تحقيق التنوع الاقتصادي والارتباط مع العالم بأكثر من مجال صناعي، لا يقتصر على النفط والغاز ومشتقاتها فالسباق والتنافس بين الدول التي تضع التنمية هدفاً اساسياً في كل مفاصل توجهاتها كبير جداً والبحث عن المزايا التي تمنح له اهمية بالغة؛ لان اغلب الدول اصبحت تعطي مزايا واعفاءات متعددة وتدرب عمالتها الوطنية لتكون جاهزة للفرص التي يتم جذبها وهذا ما يتطلب جهداً كبيراً وتفكير خارج الصندوق بمزايا يصعب المنافسة معها.
كما يتشكل العالم اقتصادياً فإن خارطة الاستثمار تتماشى مع هذه الخريطة الجديدة للاقتصاد العالمي والجهود التي تبذلها الدول كبيرة جداً، وكل فرصة استثمارية تفقدها دولة تكون قد ذهبت لمنافستها وهو ما يتطلب دائماً مراقبة كل تطور او تغيير تجريه الدول لجذب الاستثمارات حتى يكون اي تغيير او اضافة لمزايا بنظام الاستثمار المحلي يحقق الافضلية بمراحل عن المنافسين.
نقلا عن الجزيرة