عدم اليقين يخيم على سوق النفط

17/04/2025 0
د. نعمت أبو الصوف

النفط يتداول في نطاق ضيق، حيث تقيّم السوق مزيجا من العوامل المؤثرة صعودا وهبوطا. وتُلقي المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، توتر العلاقات التجارية، وهشاشة اقتصاد الإنتاج الأمريكي بظلالها على معنويات السوق. وفي نهاية تعاملات الأسبوع الماضي ارتفعت العقود الآجلة للنفط بنحو 2.4 % مدعومة باحتمالية تجدد الضغوط القصوى على إيران، وفي محاولة لتعويض الخسائر التي لحقت بها في الجلسة الماضية. رغم ذلك، فقد سجلت أسواق النفط ثاني خسارة أسبوعية على التوالي. حيث، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من 1 % خلال الأسبوع إلى 64.76 دولارا للبرميل، في حين انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط في حدود قريبة إلى 61.5 دولار للبرميل، وذلك بعد انخفاض كلا الخامين القياسيين أكثر من 10 % في الأسبوع الذي سبق، شهدت العقود الآجلة للنفط الخام عمليات بيع مكثفة خلال الأسبوع الماضي، حيث أدى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تعميق المخاوف من تباطؤ اقتصادي، ما دفع إلى إعادة تقييم واسعة النطاق لتوقعات الطلب.

أثر رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية في السلع الصينية إلى 145 % على تبادل تجاري بقيمة 585 مليار دولار. ردا على ذلك، رفعت الصين رسومها الجمركية إلى 125 %. على الرغم من تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما على شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة، لا تزال التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم تُهيمن على معنويات السوق. على الرغم من أن منتجات النفط والغاز لا تزال معفاة من الرسوم الجمركية المباشرة، فإن الصدمة الاقتصادية الكلية الناجمة عن انخفاض النشاط الصناعي وتهديد تدفقات التجارة العالمية لا تزال تلقي بثقلها على توقعات الطلب على النفط.

ما ضاعف من الضغوط الهبوطية قبام إدارة معلومات الطاقة بخفض توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط لهذا العام والعام المقبل، متوقعة ارتفاع الاستهلاك بمقدار 900 ألف برميل يوميا في 2025. كما خفضت الوكالة توقعاتها السنوية لأسعار خام برنت إلى 68 دولارا للبرميل، أي أقل بنحو 6 دولارات للبرميل عن توقعاتها السابقة. وأشارت الوكالة تحديدا إلى مخاطر السياسات التجارية كسبب رئيسي لخفض التوقعات، بما يتماشى مع المراجعات الهبوطية من جولدمان ساكس، الذي يتوقع الآن انخفاضا محتملا لأسعار خام برنت إلى 54 دولارا للبرميل في أسوأ سيناريوهات الطلب.

وما يسلط الضوء بشكل أكبر على مخاوف الطلب، أنه من المتوقع أن تشهد الصين – أكبر مستورد للنفط في العالم – تباطؤا في النمو الاقتصادي في 2025، وفقا لاستطلاع أجرته رويترز. حذّر بنك أيه إن زد (ANZ) من أنه في حال انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي عن 3 %، فقد ينخفض استهلاك النفط بنسبة تصل إلى 1%، ما يزيد من التحديات.

من ناحية أخرى، يُعطي احتمال تجديد العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية زخما صعوديا لأسعار النفط. حيث، يُشير تصريح وزير الطاقة الأمريكي بأن الولايات المتحدة قادرة على وقف صادرات النفط الإيرانية، ما يعني العودة إلى سياسة الضغط الأقصى. تُصدّر إيران حاليا أكثر من مليون برميل يوميا، معظمها إلى الصين. ومن شأن أي انقطاع بهذا الحجم أن يُقلص المعروض العالمي بشكل كبير.

وما يُفاقم المخاطر هشاشة المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية، مع طرح تهديدات بالتصعيد العسكري على الطاولة، على الرغم من التصريحات الإيجابية الصادرة من الجانبين بشأنها. ويضع هذا التوتر الجيوسياسي حدا أدنى للأسعار، حتى مع ظهور تحديات أخرى. قد يُؤدي أي تحوّل في سياسة العقوبات أو بوادر عمل عسكري إلى ارتفاعات حادة في الأسعار، ما يجعل تطورات الإمدادات الإيرانية نقطة مراقبة بالغة الأهمية للسوق.

في غضون ذلك، استأنف اتحاد خط أنابيب بحر قزوين التحميل في أحد مراسي البحر الأسود بعد توقف مؤقت. مع ذلك، عززت الزيادة المفاجئة في مخزونات النفط الخام الأمريكية المشاعر الهبوطية، حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام بمقدار 2.6 مليون برميل، متجاوزة بكثير التوقعات البالغة 1.4 مليون برميل. في الوقت نفسه، لا تزال السوق حذرة في أعقاب قرار "أوبك+" برفع الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في مايو، وهي خطوة قد تدفع السوق إلى فائض في وقت تضعف فيه مؤشرات الطلب.

على المدى القريب، تتعارض المخاطر الجيوسياسية مع ضعف الطلب، ما يُبقي الأسعار ضمن نطاق سعري ضيق. ولكن إذا تم وقف صادرات النفط الإيرانية فعليا أو انخفض الإنتاج الأمريكي بشكل حاد، فقد يميل الميزان نحو الصعود. من المتوقع أن تظل السوق نشطة، متتبعة مخاطر العرض، تطورات الرسوم الجمركية، وإشارات الإنتاج الأمريكي. على الرغم من استمرار المخاطر الهبوطية، فإن جانب العرض قد يتشدد في النهاية بما يكفي لدعم اتجاه صعودي.

 

 

نقلا عن الاقتصادية