مستقبل منظمة التجارة العالمية في ظل الحمائية

17/04/2025 0
د.عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

الحمائية هي مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الأجنبية، من خلال فرض قيود على الاستيراد مثل التعرفة الجمركية والحصحصة. وقد عادت هذه السياسات إلى الواجهة بعد الأزمة المالية العالمية 2008، وتفاقمت منذ الفترة الأولى لإدارة ترامب، لكنها الآن في فترته الرئاسية الثانية أكثر منها في الأولي. ولقد تزايدت الحمائية مع تصاعد النزعات القومية الاقتصادية، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأزمة سلاسل الإمداد خلال جائحة «كوفيد- 19»، والحرب بين روسيا وأوكرانيا وتأثيراتها الجيوسياسية والاقتصادية.

تواجه منظمة التجارة العالمية في السنوات السبع الأخيرة أصعب التحديات بسبب الحروب والصراعات التجارية الدولية بين بعض الدول الأعضاء، وذلك منذ تحولها إلى «WTO» في الأول من يناير 1995م بعد تحولها من الاسم القديم المعروف بالاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية «GATT» إلى منظمة التجارة العالمية «WTO» أكثر هذه التحديات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، خاصة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس ترامب الذي أشعل الفتيل بينه وبين دول العالم بغض النظر عن عضوية المنظمة. وتعد هذه التحديات الاختبار الأصعب لقدرة المنظمة على التدخل في النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء وايجاد الحلول المناسبة، بحيث لا تتعارض مع أحكام الاتفاقيات التي وقعت عليها الدول الأعضاء.

يهدف هذا التحول في الاتفاقيات إلى جذب أعضاء جدد من خلال الحوافز الاستراتيجية. لقد كانت جولة الأرجواي انطلاقة قوية للتحول إلى النظام التجاري العالمي الجديد. هذا التحول في اسم المنظمة وصورتها الذهنية جاء بعد جولات عديدة من المفاوضات التي انتهت باتفاقيات وقعت عليها جميع الدول الأعضاء بما يخدم مصالح الجميع من غير تمييز أو سياسات حمائية أو حصحصة، لكننا اليوم نشهد تصاعد السياسات الحمائية من قِبل دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين، بحيث أصبحت آليات منظمة التجارة العالمية أقل فاعلية في فرض قواعد التجارة الحرة. نشهد تحولاً خطيراً في الساحة الاقتصادية العالمية، حيث برزت النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تليها كتلة الاتحاد الأوروبي ودول آسيوية أخرى مثل اليابان وكوريا، كذلك برز الإغراق بين الكثير من الدول الاعضاء. عادت السياسات الحمائية إلى الساحة بعدما فرضت الولايات المتحدة ضرائب عالية على المنتجات الصينية ثم تلاها قيام الصين بفرض ضرائب على بعض المنتجات الأمريكية. وليست الصين الوحيدة المستهدفة بل هناك دولا أخرى، لكن نسبة الضرائب عليها أقل من نسبة التعرفة الجمركية على الصين بنسبة كبيرة.

مستقبل منظمة التجارة العالمية «WTO» في ظل تصاعد النزعات الحمائية يواجه تحديات كبيرة يمكن مناقشتها في نقاط كثيرة. لقد تراجع الدور التقليدي للمنظمة بشكل كبير وملحوظ مع تصاعد السياسات الحمائية من قِبل دول كبرى مثل «الولايات المتحدة والصين» ما جعل آليات منظمة التجارة العالمية أقل فاعلية في فرض قواعد التجارة الحرة. هناك شلل واضح لجهاز تسوية المنازعات التجارية بسبب تعطيل تعيين القضاة في هيئة الاستئناف منذ 2019. لقد اتسعت رقعة النزاعات التجارية، وزادت السياسات الحمائية، وتزايدت الاتفاقيات الثنائية والإقليمية. العديد من الدول تتجه نحو اتفاقيات تجارة حرة إقليمية وثنائية بدلاً من النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي تقوده منظمة التجارة العالمية. مثل: اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة «RCEP»، اتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول متعددة.

الخلاصة: يُعد مستقبل منظمة التجارة العالمية مرهونًا بمدى رغبة وقدرة المجتمع الدولي على التوافق لإصلاح النظام التجاري المتعدد الأطراف، والتوفيق بين مصالح الدول المتقدمة والنامية على حد سواء من تحيز وبعدالة، وبين متطلبات التحرير التجاري والضغوط الشعبية والمؤسساتية الداخلية. ورغم التحديات الراهنة، تبقى المنظمة منصة ضرورية لتحقيق الاستقرار والعدالة في التجارة العالمية.

 

 

نقلا عن اليوم