لطالما كان الابتكار، وسيظل، المحرك الأساسي للتحولات الاقتصادية الكبرى، فمن اكتشاف الآلة البخارية التي أطلقت شرارة الثورة الصناعية الأولى، مروراً باكتشاف الكهرباء الذي غير وجه الصناعات في الحقبة الصناعية الثانية والثالثة، وصولاً إلى ثورة البيانات والذكاء الاصطناعي التي نشهد فصولها ونعيش أحداثها اليوم في الثورة الصناعية الرابعة، ساهم الابتكار بمفهومه الشامل في إعادة تشكيل القطاعات الاقتصادية، وتغيير أنماط الحياة الاجتماعية، وفتح آفاق جديدة للنمو والازدهار، إن العلاقة بين الابتكار والاقتصاد ليست مجرد علاقة تأثير وتأثر، بل هي علاقة تكاملية، فالابتكار هو الوقود الذي يدفع عجلة النمو الاقتصادي، والاقتصاد هو البيئة التي تحتضن الابتكار وتوفر له الموارد اللازمة للنمو والازدهار.
ويمكن تعريف الابتكار بأنه عملية تحويل إبداعات العقل البشري إلى منتجات أو خدمات أو عمليات مستحدثة ذات قيمة مضافة، تلبي احتياجات المستفيدين، وتحقق ميزة تنافسية للمؤسسات.
وبناء على هذا المفهوم فيمكن أن يتشكل الابتكار على عدة أوجه كما يلي:
ابتكار في المنتج: والذي يهدف إلى تطوير منتجات جديدة تغير من قواعد اللعبة في السوق أو تحسين المنتجات الحالية لتلبية احتياجات المستهلكين المتغيرة.
ابتكار في العمليات والإجراءات: والذي يؤدي إلى تطوير هيكل العمليات التشغيلية الكلية من خلال الأتمتة والرقمنة وغيرها، أو تحسين العمليات الإنتاجية والإدارية بهدف زيادة الانتاجية وتحقيق الكفاءة.
ابتكار في نموذج العمل: وذلك من خلال تطوير نماذج عمل جديدة تتيح للمؤسسات تحقيق قيمة مضافة للمستهلكين وتحقيق أرباح مستدامة، أو تفتح لها أسواق ومجالات عمل جديدة.
ابتكار في الخدمة: وذلك من خلال تقديم خدمات حديثة وغير مسبوقة، أو تحسين الخدمات الحالية لتلبية متطلبات السوق المتغيرة.
وعند الحديث عن الابتكار والقراءة في الإنتاج الفكري الخاص به فنحن لا نتحدث على مستوى واحد فقط، وإنما يمكن تصنيف الابتكار إلى عدة مستويات أساسية بناء على الغرض الأساسي منه والفئة المستهدفة، ولكل مستوى من هذه المستويات قواعده وأطر العمل الخاصة به، هي على النحو التالي:
ابتكار الرواد: وهو الابتكار على مستوى الأفراد والذي ينتهي على شكل منتجات ابتكارية أو شركات ناشئة، ويقوم في أساسه على المبتكر ورائد الأعمال الذي يسعى إلى تطوير نموذج عمل جديد لمنتج أو خدمة معينة بهدف اكتساب حصة معتبرة في السوق، وتحقيق قفزات نمو متتالية في القيمة السوقية للشركة.
الابتكار المؤسسي: وهو الابتكار على مستوى المنظمات، والذي يهدف إلى خلق كيانات اقتصادية رائدة ذات ميزة تنافسية تضمن استدامة النمو وريادة الجهة في القطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه، ويدخل في ذلك ما يصطلح عليه بالابتكار الحكومي على مستوى الجهات الحكومية، والريادة المؤسسية داخل المنظمات التجارية.
الابتكار الوطني: وهو المفهوم الذي يعنى بتطوير سياسات وطنية للابتكار على المستوى الوطني أو على مستوى قطاعي محدد، ويهدف إلى تأسيس وتطوير منظومة ابتكار محفزة وجاذبة لرؤوس الأموال والمواهب، وذلك من خلال التدخلات المؤسسية المدروسة، وتطوير البنية التحتية اللازمة، وتحفيز الشراكات، وبناء الكفاءات والقدرات، وتطوير التشريعات وغيرها من المبادرات والمهام.
وبناء على ما سبق فإنه يطرأ لنا سؤال جوهري وهو (ما هي مهمة الجهات والقطاعات المناط بها إدارة الابتكار على المستوى الوطني أو المؤسسي؟) ولعلي الخص الإجابة فيما يلي، وهو أن مهمة الابتكار الأساسية هي (تصميم مستقبل مستدام).
ولعل تفسير هذه الجملة يتضح في المهام والمسؤوليات التالية المناطة بالجهة أو القطاع المسؤولة عن الابتكار:
وضع الاستراتيجيات والسياسات التي تشجع على الابتكار.
توفير البنية التحتية اللازمة لدعم الابتكار من قواعد بيانات، ومعامل بحثية، وأدوات تقنية.
تطوير منظومة الدعم المالي وضمان ميزانيات ثابتة للبحث والابتكار.
تشجيع التعاون والشراكة بين القطاعات المختلفة.
تعزيز ونشر ثقافة الابتكار.
تطوير الكفاءات والقدرات.
وغيرها من المهام والمسؤوليات والتي تهدف في مجملها إلى ضمان استدامة النمو والقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
أما بعد
فإن مائدة الابتكار التي تتميز بتنوعها وثراء أصنافها، يجب أن تُعد وفق الأسس والمبادئ التالية: الشراكة والتكامل في الإعداد والتحضير، وتحقيق مبدأ التجربة والخطأ وقياس رضا المستهلك في مرحلة التطوير، على أن يتم تقديمها بطريقة إبداعية ومميزة تملأ عين المستهلك، والأهم من ذلك كله أن تكون ذات قيمة مضافة ترضي تطلعات المستفيد وتلبي احتياجاته الأساسية.
وعلى دروب الابتكار والريادة نلتقيكم.
خاص_الفابيتا
رسمت بريشة المعرفة وجمل الحرف وأناقة الفكر بُعداً أكثراً جمالاً لموضوع الابتكار 🌹