الجامعات والمساهمة في التنمية المستدامة 3

13/01/2020 0
مازن القرني

تحدثنا في هذه السلسلة حول أهم الأدوار الرئيسية التي تؤديها الجامعات للمساهمة  في تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك عن أبرز الآثار التنموية الناتجة عن ممارستها لتلك الأدوار، وحتى لا يكون حديثنا تنظيريا أو مثاليا، لعلنا في هذا المقال نلامس الواقع ونسلط الضوء على بعض النماذج والأمثلة الواقعية لأداء الجامعات لأدوارها في التنمية المستدامة  والتي حققت أثرا ملموسا في المجتمع لعلها تكون نبراسا ونموذجا يهتدى به.

حاضنات ومسرعات الأعمال بالجامعات السعودية:

تقوم حاضنات ومسرعات الأعمال في الجامعات باحتضان أصحاب الأفكار والمشاريع النوعية وذلك لمساعدتهم في إدارة تلك المشاريع، وتحويل الأفكار إلى فرص تجارية حقيقية، وربطهم بالمستثمرين وإيصال منتجاتهم إلى السوق، كما تساهم هذه الحاضنات في نشر ثقافة العمل الحر في المجتمع وذلك من خلال إقامة المؤتمرات والندوات.

 ساهمت هذه الحاضنات خلال السنوات السابقة في إخراج عدد من المشاريع على أرض الواقع، وساهمت كذلك في تدريب وتحفيز طلاب وطالبات الجامعة  لنقل أفكارهم إلى واقع ملموس، ومن أبرز الأمثلة على هذه المراكز في جامعاتنا المحلية على سبيل المثال لا الحصر معهد  ريادة الأعمال بجامعة الملك سعود، سحابة الإمام بجامعة الإمام، حاضنة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، شركة وادي مكة للتقنية المملوكة  لجامعة أم القرى، وغيرها الكثير.

كرسي سابك لدراسات الأسواق المالية بجامعة الإمام:

يهدف الكرسي إلى دعم منظومة الأسواق المالية بالأبحاث والدارسات التي تسهم في تطوير الصناعة المالية الإسلامية، حيث ساهم الكرسي في إصدار العديد من الأبحاث  والدارسات في هذا المجال، وأقام عددا من المؤتمرات العلمية التي جمعت نخبة مفكري الاقتصاد في العالم الإسلامي، كما كان للكرسي كبير الأثر في ربط طلاب وطالبات قسم التمويل  والاستثمار بالجامعة بالواقع العملي وذلك بتقديم العديد من البرامج والمسابقات التي تشجع على الابتكار، وتعلم مهارات التداول في الأسواق المالية، مما شجع في ربط المشارك في هذه البرامج بواقع السوق واكسبه العديد من المهارات اللازمة لخوض غماره.

وهناك الكثير من الكراسي العلمية الأخرى التي ساهمت ولازالت في خدمة المجتمع والقطاعات الاقتصادية المختلفة سواء الحكومي أو الخاص أو حتى القطاع غير الربحي.

أسماء برزت وخدمت في القطاعين الحكومي والخاص:

ذكرنا في المقالات السابقة أن من أبرز أدوار الجامعات والكليات التقنية هي تصدير الكوادر لقيادة العمل في القطاع العام أو القطاع الخاص، وهناك أمثلة كثيرة لأسماء أكاديمية وقيادية تميزت بالجمع بين قوة التخصص العلمي والخبرة وكذلك التميز الإداري، لعل من أبرزها التي تحضر في ذاكرتنا هو د. غازي القصيبي - رحمه الله –، حيث عمل د. غازي سنوات عديدة في جامعة الملك سعود أستاذا، ثم عميدا لكلية التجارة بجامعة الملك سعود، ثم تولى رئاسة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، بعدها تولى ملف عدة وزارات بدءا بوزارة الصناعة والكهرباء، مرورا بوزارة الصحة، ثم بوزارة المياه، واختتم رحلته القيادية بوزارة العمل.

ولعل من أبرز الشخصيات المعاصرة د. عبيد العبدلي أستاذ التسويق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والذي تقلد عدد من المناصب  في القطاع الخاص، وعمل مستشارا لعدد من المؤسسات الحكومية، ثم وصل أخيرا إلى قبة الشورى كعضو مجلس في العام 2016م، ولا زالت له عدة جهود ملموسة في نشر ثقافة التسويق في المؤسسات التجارية وبين رواد الأعمال.

أضيف لهذه الشخصيات د. سامي الحصين، الذي خرج من رحم المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب التقني، فقد ساهم في تأسيس العديد من المشاريع الابتكارية كمنصة  رواق التعليمية، وتقلد منصب نائب محافظ الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولازال له جهود مؤثرة في مجال نشر التقنية وريادة الأعمال.

والأمثلة كثيرة على شخصيات برزت وأثرت في كلا المجالين العلمي والعملي، وما زلت متيقنا أن الجامعات ستبقى ولادة للقيادات المتمكنة من دفع عجلة التنمية، وتحقيق التغيير المنشود في مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية.

كاوست والبحر الأحمر:

هذا المثال هو نموذج مزدوج للتعاون بين المؤسسات الأكاديمية  والقطاع الخاص للمساهمة  في التنمية المستدامة، حيث وقعت شركة البحر الأحمر للتطوير (المطورة لمشروع البحر الأحمر) وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مذكرة تفاهم لعمل أبحاث مشتركة في مجال تحقيق استدامة البيئة، والحفاظ على الطاقة، والحفاظ على الكائنات البحرية، يساعد هذا التعاون على تحفيز الباحثين لابتكار الحلول المناسبة لتحقيق الاستدامة البيئية  وحماية النظام البيئي للجزر في المنطقة التي ينفذ فيها المشروع  والمناطق المحيطة به.

نيوم والتدريب التقني:

وقعت نهاية العام الماضي شركة نيوم (المطورة لمشروع نيوم) مع المؤسسة العامة للتدريب المهني  والتقني شراكة تدريب منتهي بالتوظيف، يهدف إلى تدريب أكثر من 6 آلاف طالب وطالبة مع الالتزام بتوظيفهم في مشروع نيوم، هذا النموذج المتميز تكرر كثيرا مع المؤسسة العامة للتدريب التقني حيث أن المؤسسة لديها العديد من الشراكات القائمة على نفس النمط من أبرزها الشراكة الاستراتيجية مع شركة أرامكو وشركة سار.

خاتمة:

كانت هذه إشارة لبعض الجهود والأمثلة لمساهمة الجامعات في تحقيق التنمية المستدامة، وبالتأكيد أن هذه الجهود لا تخلو من قصور وبحاجة دوما إلى التطوير والتحسين، سواء في مجال الأنظمة أو البنية التحتية أو تطوير الكفاءات وخلافها، ولعلي متفائل بنظام الجامعات الجديد الذي سيقلل القيود على الجامعات في المملكة ويحفز تلك الجامعات للمساهمة بشكل أكثر في تحقيق التنمية المستدامة بل والوصول إلى المنافسة العالمية، وتكون أكثر صلة بواقع السوق الاقتصادي وذات أثر ملموس للمجتمع.

وعلى دروب التنمية والإنجاز نلتقيكم

خاص_الفابيتا