توزيع الاستثمارات جغرافياً وقطاعياً لا يخضع للعاطفة

29/01/2025 0
محمد العنقري

عالم اليوم تتنافس فيه الدول والشركات على ضخ الإستثمارات لتحقيق أفضل النتائج واصبحت الصناعة المالية عصب الاقتصاد العالمي والمتخصصون بمجال المال والأعمال ممن يجيدون قراءة الاقتصادات والأسواق أصبحوا من الأكثر طلباً والاعلى دخلاً نظراً لاهمية تخصصاتهم وخبراتهم، وأثرها في تعظيم الاصول من خلال متابعة وقراءة دقيقة للتطورات في العالم، وأين يجب أن تتجه الاستثمارات مستقبلاً ويديرون اصولاً بعشرات التريليونات بكل أسواق العالم فأثرهم ودورهم كبير جداً في دعم نمو الاقتصاد العالمي بسبب قراراتهم التي تتخذ لضخ الاستثمارات في أي دولة أو قطاع واعد، واهمية الحديث عن آلية توزيع الاستثمارات جاءت مع توجه المملكة لاستثمار 600 مليار دولار في اميركا بحسب ما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء في اتصال هاتفي مع الرئيس الامريكي ترمب.

فهذا المبلغ الضخم سيشمل استثمارات وتبادل تجاري على مدى أربعة أعوام، وقد يزيد المبلغ إذا كان هناك فرص إضافية مناسبة، لكن اذا كان التبادل التجاري اساساً مرتفع بين الدولتين وسيزداد مع صفقات مهمة كشراء الطائرات المدنية ومعدات وتجهيزات عديدة، فإن جزءا كبيرا من هذا المبلغ سيوجه للاستثمار ليدر دخلاً ويحقق نتائج ايجابية بمخاطر منخفضةً جداً وفرص جيدة ذات منافع متعددة، ورغم أنه لايوجد تفاصيل عن طريقة توزيع هذه المبالغ ما بين التبادل التجاري والاستثمارات المتوقعة لكن غالباً ستركز على توجهات القرن الحديث الذي يرتكز على الاستثمار بالتقنية والصناعتت النوعية المتعلقة بقطاعات تعدينية مهمة تدعم صناعات عديدة، مثل السيارات الكهربائية، إضافة لقطاع الطاقة بكل أنواعها وغير ذلك من التجهيزات المهمة التي تخدم المشاريع الكبرى في المملكة مع وجود استحقاقات لفعاليات عديدة ستنظمها في السنوات القادمة.

ولكن عندما تقوم دولة عبر أذرعها الاستثمارية كصندوق سيادي أو صناديق استثمارية خاصة بتوزيع استثماراتها فهناك الاستثمار الداخلي، وهذا يركز غالباً على القطاعات والمدن والمناطق الحيوية داخل الدولة بنسب تتماشى مع أوزان القطاعات وحجم اقتصاد كل مدينة، والاهداف التنموية حيث يمثل الاستثمار الداخلي الركيزة الاكبر والأهم للدول، أما في الاستثمار الخارجي فالمخصص يكون عادة أقل بكثير مما يستثمر بالداخل والتوزيع يكون جغرافياً أي يتم ضخ استثمار بنسبة من حجم المبلغ المخصص للاستثمار الخارجي يتناسب مع ما يمثله كل اقتصاد بالناتج الإجمالي العالمي فأميركا تمثل 25 بالمائة، فهذا يعني ان حجم الاستثمار فيها يكون قريب من هذا الرقم يزيد أو يقل حسب ظروف الأسواق فيها ونمو الاقتصاد، ثم بعد ذلك يتم توزيع الاستثمارات بحسب تمثيل كل قطاع وأهميته وما يتوقع منه، وذات الامر ينطبق على الصين التي يشكل اقتصادها حوالي 20 بالمائة.

اما الاتحاد الأوروبي فيشكل حوالي 18 بالمائة وبريطانيا تمثل حوالي 3،5 بالمائة اما الدول العربية باستثناء السعودية فتشكل مجتمعةً 2 بالمائة؛ أي أن ما يضخ من حجم الاستثمار الخارجي يفترض أن يمثل هذه النسبة، وأيضا تتغير بحسب عوامل النمو بين تلك الدول غير أن السعودية فعلياً استثمرت في الدول العربية أرقاما أكبر بكثير من النسبة الارشادية الكلاسيكية التي تتبع عادة عند توزيع الاستثمارات جغرافياً وقطاعياً. أما ما يخص التبادل التجاري فالمملكة هي الشريك الاكبر لكل دولة عربية اضافة للدعم المباشر وغير المباشر من خلال وجود ملايين الوافدين العرب ممن يعملون بالمملكة ويرسلون حوالات مالية كبيرة لدولهم سنوياً تدعم اقتصاداتها وتساهم في نموها.

الاستثمار لا يخضع للعواطف، بل للموضوعية والمنطق والعقلانية المتجردة من العاطفة؛ فالهدف هو الربح. أما ماعدا ذلك من دعم فهي تندرج تحت الاعمال الاغاثية والانسانية.

وما دعا لتسليط الضوء بشكل مبسط جداً هو اهمية معرفة كيف توزع الاستثمارات خارجياً تحديداً والمنافع التي تتحقق منها اقتصادياً وبكافة الاصعدة التي تعمق العلاقات مع اقتصادات دول كبرى مما يساهم بسرعة التحول الى اقتصاد متنوع بمصادر الدخل ومنتج أما العاطفة في الاستثمار فلن تنتج الا الخسائر، والمملكة اليوم اصبح حجم اقتصادها يفوق تريليون دولار وهي عضو مجموعة اكبر عشرين اقتصاد عالمي ووجهة استثمارية مهمة، وهي من تلهم وتعلم الآخرين: كيف واين يستثمرون خصوصاً ممن لم يتمكنوا من وضع خارطة طريق لتنمية اقتصاداتهم وتطوير دولهم، فإن نموذج رؤية 2030 اصبح راسخاً في العالم بأنه يحقق نتائج كبيرة جداً يمكن الاخذ به بكثير من دول الشرق الاوسط التي تريد النهوض باقتصادها وتنمية مجتمعها..

 

 

نقلا عن الجزيرة