ثلاثة تحديات تشكل سياسات ترامب الاقتصادية القادمة

19/01/2025 0
محمد العنقري

قبل أن يدخل البيت الأبيض رسمياً أفصح الرئيس المنتخب ترامب عن توجهاته بنهجه الاقتصادي والذي ينبع من تحديات سياسية كبرى ذات أثر بالغ على مكانة أميركا مستقبلاً اذا لم يتم معالجتها مبكراً وفق وجهة نظره، ولذلك ما ظهر منه هو التهديد بفرض الرسوم على دول حليفة لبلاده، وأيضا منافسة بدون تفرقة بينهم فقد هدد كندا والمكسيك واوروبا ودول بريكس والصين بالرسوم لأسباب مختلفة واضعاً شروطاً مبكرة عليهم والا فإنه سينفذ تهديداته بينما كانت مطالبه من بنما وغرينلاند بأن يكون لاميركا دور أكبر بإدارة هذه المناطق المهمة في التجارة الدولية، إضافة لطلبه من أوروبا زيادة واردات الطاقة الامريكية، ويبدو أن مطالبه منهم لا تقف عند حد معين.

كما أعلن عن نيته تأسيس أكبر صندوق سيادي بالعالم ستكون تحركاته وتوجهاته خارجية وستركز على عدة مجالات، لكن أهمها زيادة احتياطيات ومخزون أميركا من المعادن المهمة حيث سيشكل الاستحواذ على المعادن المهمة في الصناعات الاستراتيجية الحديثة عاملاً مهماً في قوة الدول، بل سيكون امتلاك أكبر مخزون منها جزء من الامن القومي للدول الصناعية وذات الثقل في الاقتصاد العالمي ، لكن ما يلفت النظر هذا الانقلاب الكبير بسياسة اميركا القادمة والتي تصرح عن توجهات نابعة من منطق واحد وهو سياسة « كسر العظم « مع المنافسين بغض النظر عن تاريخ التحالف مع بعضهم كالاوروبيين او كندا التي يطلب انضمامها لأميركا لتكون أشبه بولاية اضافية بالاضافة لدول عديدة، بل تهديده لمجموعة بريكس بفرض رسوم بنسبة مائة بالمائة اذا استخدموا غير الدولار بتجارتهم البينية، يعد تأسيسا لمواجهة خطرة تهدد الاقتصاد العالمي.

لكن، لماذا كل هذه التهديدات والمطالب؟ إن هذا السؤال مهم جداً لأنه يوضح حقيقة الحالة الامريكية حالياً فمثل هذا النهج المتشدد لا يمكن ان تتجه له دولة الا اذا كان لديها تحديات مفصلية تهدد مستقبلها بمكانتها الدولية، ولعل ما يستنتج من توجهات الرئيس ترامب هو ثلاثة تحديات أساسية: الأول: وهو ارتفاع الدين العام لاكثر من 120 بالمائة من الناتج الاجمالي حيث بلغ قرابة 36 تريليون دولار، وحالياً اميركا تسدد فوائد الدين وليس الاصل، كما ان نموه يزداد بوتيرة مرعبة وهو ينوي تخفيض هذا النمو بالدين العام للوصول لمرحلة تراجع حجمه وهو تحد كبير جداً نجاحه ليس مضموناً كما ان له عواقب أصبحت واضحة؛ حيث ان ادمان اميركا على الاقتراض تحول لحالة مرضية مزمنة واذا توقفت عنه فالنمو الاقتصادي سيتراجع بشكل حاد، ولذلك يبدو العلاج مكلفاً ، اما التحدي الثاني فهو خفض العجز بالميزانية وقد أسس وزارة لذلك يديرها شخصيتان معروفتان احدهما ايلون ماسك ويعني ذلك خفض كبير بالنفقات والتي سينتج عنها تقليص كبير بالموظفين الفيدراليين وسيؤدي ذلك لارتفاع البطالة وتراجع بنمو الاقتصاد، فكيف سيعيد التوازن ما بين هذا التوجه والحفاظ على نمو اقتصادي يسمح بتوليد فرص عمل وعدم ارتفاع معدل البطالة ، أما التحدي الثالث فهو خفض العجز بالميزان التجاري الذي يصل لقرابة تريليون دولار سنوياً ونصفه مع الصين تحديداً واكثر من 30 بالمائة مع دول الاتحاد الاوروبي ونسبة ايضا جيدة مع كندا والمكسيك ولذلك كان توجيهه بفرض رسوم عليهم لانهم يمثلون جل هذا العجز فهو يريد نقل خطوط انتاج لاميركا من شركات تلك الدول التي تصدر للسوق الامريكي بكميات كبيرة وبصناعات مهمة كالسيارات الكهربائية او البطاريات وغير ذلك من الصناعات الاساسية.

يخوض ترامب معركة كبرى مع هذه التحديات الضخمة والنجاح ليس مضمون لكن الاخطر ان تتحول معالجة هذه الملفات الى حرب تجارية ضخمة ترفع التضخم عالمياً وتهدد نمو الاقتصاد العالمي، وقد تؤدي لانهيارات ببورصات الدول الكبرى اقتصادياً ونزوح الاستثمارات نحو الملاذات الآمنة، وكذلك ارتفاع بمعدلات البطالة بدول عديدة وتراجع بأسعار السلع وقد توجد مناخاً خصباً لازمة اقتصادية دولية اشد من ازمة كورونا عنوانها الركود التضخمي؛ فالدول التي هددها ترامب مطالبة اليوم بجهد كبير للتوصل لتفاهم مع اميركا يحد من مخاطر هذه الاحتمالات دون ان تتخلى عن جل مصالحها؛ أي أن يكون هناك منطقة التقاء بينهم تزيل هذه المخاطر.

 

 

نقلا عن الجزيرة