في ظل التطورات المتسارعة حول العالم واتجاه الدول نحو التنمية المستدامة وازدياد حاجة المستثمرين إلى معلومات إضافية نتيجة تنوع الاستثمارات وتعقيداتها بخلاف البيانات المالية التقليدية التي كانت سابقاً محور صنع القرار لأصحاب المصلحة، لتشكل البيانات غير المالية أو المالية الإضافية ركيزة أساسية في اتخاذ القرارات وصنع التوجهات على مستوى الدول وأصحاب المصلحة وعدم الاقتصار على البعد المالي فقط، لذا قبل الحديث عن البيانات غير المالية أو كما يسميها البعض الاخر بالمالية الإضافية، لابد من معرفة الأساس لتلك البيانات ومصدرها ولما سميت بذلك الاسم وما هو تأثيرها على الشركة وعلى اتخاذ القرار وما الفائدة منها، حيث سيتم تقسيمها الى الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والتي تعرف Environmental, Social and Governance (ESG) ، وتعرف باختصار (ESG) باللغة الإنجليزية، وقد عرفتها Financial Times بأنها مجموعة من مؤشرات الأداء غير المالي التي تشمل قضايا البيئة وحوكمة الشركات والأخلاقيات والتأكد أنها موجودة لضمان المساءلة ومعرفة الأداء المستقبلي حيث يعد مصطلح عام يستخدم في أسواق رأس المال من قبل المستثمرين وأصحاب المصلحة. بينما عرفها مؤشرMSCI العالمي بانها العوامل التي تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية وعوامل الإدارة إلى جانب العوامل المالية في عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية.
وقد ظهرت تلك الابعاد الثلاث بشكل متتالي نتيجة الازمات التاريخية للقضايا "المجتمعية والبيئية والاقتصادية" وترابط العالم كمجموعة واحده، والتوجه لتبنّي قيم ومبادئ إنسانية في الاستثمارات واهتمام المستثمرين لها كونها بيانات غير مالية مؤثرة في اتخاذ القرارات، حيث يعد مفهوم الاستدامة الثلاثية "ESG" من المفاهيم المنتشرة حديثاً في وقتنا الحاضر والذي يرمز إلى مفهوم أشمل عما كان معمول به سابقاً قبل الألفية حيث كان الهدف الرئيسي الجانب المالي الربحي فقط ومدى تحقيق الأرباح في الاستثمار في الشركات دون النظر إلى الى تلك الابعاد الثلاثية في كافة أنشطتها.
ومن أجل معرف البيانات غير المالية يجب النظر إلى هذه الأبعاد الثلاثة معاً (ESG) من أجل الوصول إلى البيانات الغير مالية بشكل كامل والقدرة على معرفة تأثيرها على أداء الشركة والقدرة على اتخاذ القرار بشكل اكثر دقة، حيث أن البعد البيئي "Environmental" يعبر عن ممارسات الشركة ودورها في الجوانب البيئية ومدى حمايتها للبيئة نتيجة أنشطتها العملية التي تقوم بها والقدرة على الحد من المخاطر المختلفة التي تضر بالبيئة الطبيعية مثل حادثة تسرب النفط لشركة BP في خليج المكسيك في عام 2010م وما الحقته من أضرار في البيئة وعلى الشركة من الجانب المالي، بينما يعبر البعد الثاني المجتمعي " Social " عن طبيعة علاقة الشركة مع مجتمعها الداخلي والخارجي وكيف تتواصل معهم وتأثر بهم ومدى مساهمتها في تنمية المجتمع المحيط بها وتعزيز الصحة والسلامة في بيئة الشركة والمجتمع. أما البعد الحوكمي " Governance" فيعبر عن طبيعة إدارة الشركة بالقواعد والإجراءات القانونية والتنظيمية الداخلية والخارجية فهي حوكمة عمل مؤسسي اداري باستخدام أساليب الشفافية والافصاح والمحاسبة ومنع تضارب المصالح.
وعلى مستوى أسواق المال فقد استخدم مصطلح "ESG" كثيراً في أسواق المال، ففي دراسة Friede et al., (2015)، والتي فحصت أكثر من 2000 شركة حول الإفصاح عن "ESG" وأداء الشركات وجدت أن 90% منها تشير إلى وجود علاقة ارتباط إيجابية بين "ESG" والأداء. كما أثبتت دراسة على سوق الأسهم الصيني أن الإفصاح القوي عن البيانات غير المالية والتي تعرف ب "ESG" يعزز من وجود سيولة في سوق الأسهم (Chen Meng-tao et al.,2022). كما أشارة دراسة Aouadi et al. (2016) لعينة من 4000 شركة في 58 دولة وتوصل المؤلفون إلى أن عوامل "ESG" لها تأثير هام وإيجابي على القيمة السوقية. حيت تشير العديد من الدراسات إلى أن وجود إفصاح عن البيانات غير المالية يتم تطبيقها من قبل الشركات يساعدها في تحقيق العديد من الفوائد منها: معرفة درجة المخاطر والفرص الواعدة، وتحسين جودة المعلومات المالية، وبناء استراتيجية واضحة تتوائم مع بيئة الشركة، وتخلق قيمة مستدامة ونمو متطور للشركة، وتمتد الفوائد إلى بيئة المحللين لتصبح توقعاتهم اكثر دقة وأقل تشتتًا وتنخفض مخاطر انهيار أسعار الاسهم، وتكمن فوائد واهمية البيانات غير المالية للشركة والمستثمرين في وقت وأحد مما أدى إلى زيادة شعبية الشركات في الإفصاح عنها، حيث ارتفع حجم الاستثمارات اكثر من عشرة اضعاف من عام 2002 إلى 2020م ليصل 40.5 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم مع نسبة 75% منها تملكها فئة المؤسسات من المستثمرين مع سيطرة أوربية على نسبة 50% من حجم هذا الاستثمار، كما أن حجم الأصول العالمية في "ESG" في طريقها للوصول إلى 53 تريليون دولار امريكي بنهاية عام 2025م وهو ما يمثل أكثر من ثلث الإجمالي المتوقع البالغ 140 تريليون دولار امريكي وفق تقرير (Bloomberg Intelligence,2021). وقد عملت صناديق الثروة السيادية بالاهتمام بالبيانات غير المالية و بدمج الإفصاح البيئي والاجتماعي والحوكمة في قرارات الاستثمار ضمن إطار العمل لمبادرة صناديق الثروة السيادية في الكوكب الواحد التابعة لمجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية.
خاص_الفابيتا