في 2021 نشر البنك الدولي تقريرا عن أزمة الاقتصاد اللبناني، مصنفا تلك الأزمة بأنها واحدة من أشد 10 أزمات، وربما أشد 3 أزمات في العالم منذ خمسينيات القرن الـ19 وانهيار الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد وتعرضه لخطر طويل المدى، فقد أفلس نموذج التنمية الاقتصادية للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال ودعم دولي مع انهيار في البيئة الجيوسياسية، وذكر التقرير أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للاقتصاد اللبناني قد هبط بنسبة 10.5% في 2021 في أعقاب انكماش نسبته 21.4% في 2020، وبعد أن كان الناتج المحلي يعادل 52 مليار دولار في 2019 هبط إلى مستوى أقل من 21.8 مليار دولار في 2021، مسجِّلا انكماشاً نسبته 58.1%، وهو أشد انكماش في قائمة تضم 193 بلدا، كما هوى سعر الصرف للسحب النقدي مقابل الدولار ومتوسط سعر الصرف الذي يحتسبه البنك الدولي بنسبة 211% و219% (على أساس سنوي) على الترتيب، ما تسبب في قفزة كبيرة للتضخم الذي يُقدَّر أن معدله بلغ في المتوسط 145% في 2021، ليسجل ثالث أعلى معدل على مستوى العالم بعد فنزويلا والسودان، وقدّر الانخفاض في الإيرادات الحكومية بالنصف تقريباً في 2021 لتصل إلى 6.6% من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن، وعزَّز دوامة الانكماش الاقتصادي الدين العام الذي تجاوز 183% من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليُسجِّل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.
هذه الأرقام التاريخية المفزعة جدا، تدل بشكل واضح على أن الأزمة اللبنانية ليست وليدة اللحظة الراهنة ولا الصراع المتجدد في المنطقة، بل هي أزمة عميقة في بنية النظام اللبناني، وهي تتطلب جهودا صادقة لمعالجتها، ولأن السعودية هي بوصلة العالم العربي والحاضنة الإستراتيجية لكل مشاريعه التنموية الناجحة، فهي تؤكد مرارا وتكرارا على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية الحالية، وأي حكومة قادمة، إن حل الأزمة اللبنانية بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرده إلى ضرورة تنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن (1701)، وهو القرار الذي اتخذ بالإجماع من عدة أطراف وتضمن سحب إسرائيل لجميع قواتها من لبنان بالتوازي مع انتشار جنود لبنانيين واليونيفيل في مختلف أنحاء الجنوب، ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان ولن تكون هناك قوات مسلحة غير اليونيفيل واللبنانيين جنوب نهر الليطاني.
ولن تكون هناك قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته، كما أكد القرار على أهمية السيطرة الكاملة للحكومة اللبنانية على لبنان وعلى السلامة الإقليمية والسيادة والاستقلال السياسي للبنان داخل حدوده المعترف بها دولياً، كما أكدت السعودية دوما على القرارات من جامعة الدول العربية، التي تؤكد على دور الدولة اللبنانية، ولا سيما الجيش اللبناني، في بسط السيادة الكاملة على كامل التراب الوطني اللبناني.
هذا التأكيد المستمر من السعودية على هذه القرارات لأنها ترى لبنان أرضا واحدة لكل اللبنانيين، ولهم الحق في العيش على أرضهم بسلام دائم، بمختلف طوائفهم الإسلامية والمسيحية، وهذا هو مضمون اتفاق الطائف (اتفاق الوفاق الوطني) الذي نص في مبادئه العامة على أن لبنان وطن حر مسـتقل، وطـن نهـائي لجمیع أبنائه، وأن لبنان عربي الهوية والانتماء، وهـو عضـو مؤسس وعامـل فـي جامعـة الـدول العربية وملتـزم بمواثيقها، كمـا هـو عضـو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بميثاقها، وعلى هذه المبادئ فإن اتفاق الطائف الذي رعته الرياض منذ لحظاته الأولى هو الضامن للوحدة الوطنية والسلم في لبنان والعمل على رسم مستقبل مزدهر ومشرق للبنان كدولـة مستقرة وآمنة ذات سـيادة كاملة.
ووفقا لهذه المبادئ التي وقعت في السعودية من كافة الأطراف اللبنانية وشهدتها الدول الإقليمية فإن السعودية لم تتخل عن لبنان بل هي شريك رئيسي وفاعل في الجهود الإقليمية والدولية الهادفة لمعالجة أزماته بأيدي أبنائه دون تدخل من أي أطراف خارجية. لهذا فالسعودية تدعو دوما وأبدا إلى وقف أي تصعيد عسكري في المنطقة، ومن ذلك ما تشهده لبنان، وتشدد السعودية دوما على قيام كل المؤسسات الدولية الراعية للسلم العالمي بأدوارها ومن ذلك مجلس الأمن الدولي بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين.
ولأن السعودية هي الحاضن الإستراتيجي لكل المشروع التنموي العربي اليوم فهي تسعى إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، والانتقال بها من مرحلة النزاعات إلى مرحلة يسودها الاستقرار والأمن، والتركيز على تحقيق تطلعات شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل من الرخاء والازدهار والتكامل الاقتصادي، ووفقا لهذا المنظور الإستراتيجي لم تقف مكتوفة أمام تدهور الأوضاع الإنسانية في لبنان، ولهذا صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بإغاثة الشعب اللبناني الكريم وبمد جسر جوي يحمل مساعدات إغاثية تشتمل على المواد الغذائية والإيوائية والطبية.
كما سعت السعودية في الجانب الآخر بكل وسائلها الدبلوماسية إلى التهدئة والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، وهي في هذا الدور وذاك تهدف إلى عدم الانخراط في أي تصعيد، ولن تسمح بمرور أي طائرات مقاتلة أو مسيرات أو صواريخ عبر مجالها الجوي بغض النظر عن وجهتها، فالسعودية تقف إلى جانب الشعب اللبناني في مواجهة تداعيات الأحداث الجارية في بلادهم، وأهمية تجنيب المدنيين تبعات أي تصعيد عسكري.
نقلا عن الاقتصادية
وفى النهاية ماذا جنينا من وراء كل ذلك الجهد والدعم السخى سوى الجحود والنكران من الآن فصاعدا علينا أنفسنا بلادنا ومواطنينا أولى بجهودنا وأموالنا. آن الأوان لنقول كفى .. كفى !
كلامك شعبوي منغلق