حصلت سوق العمل في السنوات الأخيرة على دفعة جيدة من التطوير في الأنظمة والتشريعات الخاصة في سوق العمل، التي أسهمت في تحسين بيئة العمل ورفعت من جودته بصورة موازية لتطوير الأنظمة والقوانين، كذلك فإن تحسن بيئة العمل رفع من كفاءة المنافسة بين الكيانات لاستقطاب أفضل الكوادر البشرية ما حسن بشكل عام المزايا الوظيفية التي يحصل عليها العاملون، فلم تعد الرواتب وحدها مصدر الجذب لاستقطاب أفضل الكفاءات وإنما ضمن فيها المكافآت الثابتة، ومكافآت الأداء، وتذاكر السفر، ودرجة التأمين الطبي، ونسب التحمل من تكاليف التعليم، ومعدل الأيام المرتبط بالعمل عن بعد وإمكانيته، الأنشطة الوظيفية والأنشطة العائلية وغيرها من العناصر التي زادت من التنافسية بين الكيانات لجذب الكوادر إليها، كذلك فإن الكيانات الجديدة التي أنشأتها الجهات الحكومية والهيئات وشركات صندوق الاستثمارات العامة والشركات الأجنبية الجديدة أو التي عززت من وجودها في السعودية، أدت دورا إضافيا في رفع مستوى البيئة الوظيفية ومزاياها، وكذلك أسهمت مجتمعة في تحسين مستويات الدخل للموظفين في تلك الجهات ما دفع الجهات الأخرى إلى منافستها حتى لا تأتي في نهاية المطاف وقد خسرت جزءا لا بأس فيه من أفضل كوادرها مقابل الفوارق الواسعة التي يقدمها المنافسون الجدد مقارنة بما اعتادت على تقديمة الجهات لسنوات عديدة.
بقدر ما أن هذه التحسينات العامة في البيئة التشريعية لسوق العمل ورفع مستوى المنافسة بين الكيانات لاستقطاب أفضل الكوادر إليها ارتقت بالبيئة العامة لسوق العمل، أثر ذلك في زيادة مستوى حيرة العاملين بجميع مستوياتهم الوظيفية وسنوات خبراتهم الوظيفية وقدراتهم العملية، يعيش موظفو الموارد البشرية في توتر لسد الشواغر الوظيفية في المنظومات خصوصا تلك الوظائف الضرورية للعمل وذات التخصصية، تحسن بيئة العمل والمزايا رفع من معدلات الدوران الوظيفي والتنقل بالنسبة إلى العاملين وهذا لوحده عبء ثقيل على الشركات وسير العمل وعلى وجه الخصوص على إدارات الموارد البشرية، خسارة عنصر بشري له ما له من الأعباء المتتالية لتعويض هذا الشاغر، وبالإمكان الاستشهاد بتغير هذه الطبيعة من التقارير السنوية الصادرة عن الشركات المدرجة وتتبع التغير الذي طرأ في هيكل التكاليف للمكافآت والرواتب التي يتقاضاها موظفو تلك الشركات.
نشرت في أكثر من دراسة بحثية الآثار المترتبة لعنصرين فيما يخص الكادر الوظيفي أو الموظف نفسه، أولا الشهادات الأكاديمية التي يحصل عليها الموظف، ثانيا سنوات الخبرة ومعدلات الانتقال بين الوظائف وأثر ذلك في دخل الموظف، فيما يخص التحصيل الأكاديمي للموظف وبحسب دراسة بحثية نشرت على "الأكونمست" فبتجاوز السنة العاشرة من الخبرة العملية يبدأ يقل أثر التحصيل الأكاديمي في جاذبية الموظف أو استقطابه ويبقى الأثر الأكبر للإنجازات الوظيفية له وفي الجانب الآخر فيما يخص الانتقال الوظيفي ففي دراسة بحثية أخرى أشارت إلى أن الموظفين الذي يميلون إلى الانتقال بين الكيانات يتفوقون بالدخل عن أقرانهم المستقرين بمعدلات بين 15 و20 % أعلى منهم، ووضعت ضمن الدراسة معدلات الانتقال النافعة التي تشير إلى أنها مُضي العامل ما يصل إلى 5 سنوات في كل وظيفة تقريبا، ما يجعل معدلات الانتقال المعقولة خلال العمر الوظيفي للفرد حتى 6 انتقالات.
وسط كل هذه المتغيرات والتنافسية تزداد الرغبة في الانتقال وتزداد كذلك الحيرة لتجربة بيئات عمل جديدة أو كيانات مختلفة وفي هذا الشأن أمام العاملين تحد مهم للموازنة بين المزايا الوظيفية الجديدة والتراكم المرتبط بمكافآت نهاية الخدمة على سبيل المثال مع المزايا المادية الأخرى. لا شك أن تطور البيئة غير المنظور تجاه الولاء الوظيفي من كونه ولاء الموظف للمنشأة إلى أن يكون لذلك حدان ولاء الموظف للمنشأة وولاء المنشأة للموظف وهذا في صالح البيئة الوظيفية لا شك.
نقلا عن الاقتصادية