يكتظ النصف الثاني من العام الجاري بكثيرٍ من التطورات المؤثرة في مسار الاقتصادات والأسواق، بصورةٍ تشابه إلى حدٍّ بعيدٍ النصف الثاني من 2008، الذي شهد اشتعال الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من تداعياتٍ مريرةٍ على الاقتصاد العالمي بأكمله، وتلتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي كان من أكبر مهامها آنذاك مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، ولهذا فإن التطورات الراهنة خلال النصف الثاني من 2024 يتسع نطاقها شاملاً كثيراً من المحاور السياسية والمالية والتجارية والاقتصادية، وصولاً إلى العلاقات الدولية المضطربة على جميع المستويات، ولا يقف عند هذا الحد فحسب؛ بل يمتد إلى مواجهة كثير من الصراعات الجيوسياسية والعسكرية المنتشر لظاها في شتى أنحاء المعمورة، وزاد من وطأة ضغوط المرحلة الراهنة ما تشهده الظروف المناخية والجيولوجية من تقلباتٍ غير مسبوقة طوال قرونٍ عدة من الزمن مضت.
في خضم هذا الاضطراب العالمي "الساخن" ازدادت حدّة الاصطدام بين البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من جانب، ومن جانبٍ آخر التضخم الذي وصل قبل نحو عامين إلى أعلى مستوياته خلال 4 عقودٍ زمنية مضت، بادرت على إثره البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بوتيرةٍ مطردة، ولا زالت تقف عند أعلى مستوياتها خلال أكثر من عقدين من الزمن، ورغم نجاح البنوك المركزية في كبح التضخم خلال العامين الماضيين، إلا أنّه لم يستقر بعد عند مستوياتها المستهدفة 2 % فما دون حتى تاريخه، وزاد على أثره النزاع بين البنوك المركزية وأقطاب الأسواق المالية، حول أنّ على الطرف الأول البدء بخفض أسعار الفائدة للمحافظة على استقرار الاقتصادات والأسواق.
ودرءاً لانكماش النمو الاقتصادي، وما سيترتب عليه من مؤشراتٍ عكسية في مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مما وصلت إليه حتى تاريخه، إضافةً إلى رأب صدوع الميزانيات المالية العامّة لأغلبية دول العالم، التي تعاني ارتفاع عجزها المالي والديون السيادية، عدا الارتفاع المكلّف لأسعار القروض على كاهل الشركات والأُسر، وما ترتّب عليه من زيادة الضغوط المالية على كاهلها، ما أفضى إلى ارتفاع حالات التعثّر والإفلاس لدى كلٍ من الشركات والأُسر بصورةٍ مقاربة لأوضاع 2008، إضافةً إلى كثير من الآثار العكسية لاستمرار ارتفاع أسعار الفائدة على مختلف أسواق المال والعقار والسلع والتجارة العالمية.
أمام كل هذه التحديات التي دفعت بالمستثمرين وأقطاب الأسواق حول العالم للمطالبة بخفض أسعار الفائدة، لا تزال البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي تقف في منطقةٍ أخرى مختلفة، مؤكدةً بموجب التصريحات العديدة والمتتالية على أنّه لا يزال مبكراً موعد بدء خفض الفائدة، على الرغم من بدء بعض البنوك المركزية في تلك الخطوة، لكن بوتيرةٍ هادئةٍ جداً وأقل مما تطمح إليه الأسواق، وعزت البنوك المركزية هذا التأني والتحفّظ تجاه خفض أسعار الفائدة، إلى أنّ التضخم لم يصل بعد إلى مستوياته المستهدفة.
وثانياً، أنه قد يعود إلى الارتفاع مجدداً بوتيرةٍ ستصعب معها السيطرة عليه كالفترة الأخيرة السابقة! والسؤال المحوري الآن: ماذا لو دخل الاقتصاد العالمي في انكماشٍ مؤلم؟ وشهد ارتفاع معدلات البطالة؟ واقترن كل ذلك ببقاء التضخم مرتفعاً أو شهد مزيداً من الارتفاع؟ ودون إغفال التحديات الجيوسياسية المشتعلة في أنحاء المعمورة، عدا ما قد تشهده التجارة العالمية من وتيرةٍ أكثر تصعيداً مما تعيشه الآن، بناءً على نتائج الانتخابات الأمريكية التي تصعد بالطرف الأكثر حماساً لتصعيد الصدام التجاري العالمي (الولايات المتحدة والصين)؟ كل هذا يذهب بواضعي السياسات المالية والنقدية إلى موقعٍ لا يُحسدون عليه أبداً، ويجعلهم في فوهة المدفع بكل تأكيدٍ، إلا أن من قد يدفع الفاتورة الأعلى بكل تأكيدٍ هم المستثمرون والمستهلكون على حدٍّ سواء، وهذا ما يدفع إلى توقع أن تأتي الفترة المتبقية من 2024 أكثر سخونةً مقارنةً بما بعد فترة كوفيد-19.
نقلا عن الاقتصادية
الحومة الامريكية تقترض بقوة والاموال التى تم انفاقها ابان ازمة كرونة كانت ضخمة مازالت وهى سبب التضخم وستظل تعمل فى جميع اركان الاقتصاد وولن ينخفض التضخم الى لمستهدف المرجو الا بحدوث انكماش اقتصادى طويل نوعا ما مترافقا مع وارتفاع معدلات البطالة وهذا شىء طبيعى بعد النمو الكبير خلال الفترة التى اعقبت الجائحة