أثبت العطل التقني العالمي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات الذي حدث يوم الجمعة الماضي، أنه مع زيادة اعتماد البشر على تلك الأنظمة في تسيير مختلف جوانب الحياة المعاصرة، تزيد مخاطر الاعتماد المفرط عليها دون إحكام للاحتياطات الأمنية والرقابية، وحتى في هذه الأخيرة بالنسبة إلى الاحتياطات الأمنية ثبت أنها هي أيضا "هشة" بأكبر مما كان يظن الكثير، كونها جاءت دون سابق إنذار من عملية تحديث فاشلة لبرمجيات من شركة الأمن الإلكتروني CrowdStrike Holdings، وبسبب ارتباطها بالعميل العملاق العالمي جداً ممثلاً في "مايكروسوفت"، ما أدى إلى تحول العطل وتسببه في وقوع أزمات أعطال عالمية واسعة النطاق، امتدت إلى إحداث فوضى عارمة في كثير من المطارات وتعطيل أكثر من 17.3 ألف رحلة جوية، عدا ما تسببت فيه من إرباك للأسواق المالية عبر الحدود، وتسببها في تعطيل عمل القطاع الصحي في كثير من الدول.
نعم بالتأكيد، أسهم تغلغل أنظمة تكنولوجيا المعلومات في تسهيل كافة نشاطات المجتمعات البشرية، بل وفي النهوض بممكنات التطوير والابتكار ودفع مختلف عوالم الاقتصاد والمال وبيئات الأعمال إلى مناطق متقدمة جداً لم تخطر في خيال البشرية من قبل، هذا عدا ما تمكنت منه على مستوى بقية النشاطات البشرية الأكثر حساسية ومخاطرة كالقطاعات العسكرية والأمنية على مستوى كافة دول العالم بأسره، وهنا يرتفع مؤشر الحذر والحيطة! لقد أثبت العطل التقني العالمي الأخير أن كل هذه الأطر الحياتية المعاصرة، التي تتحكم بشكل كامل في مصائر العالم اليوم، معرضة في أي لحظة ما للشلل الكامل! وأنها قد تتوقف عن العمل تماما دون سابق إنذار لأي سبب كان، ولا يمكن حينئذ تصور التداعيات الممكن وقوعها على كافة المستويات، ولا الآثار الناتجة المحتملة لأي عطل أو حتى هجوم قد تتعرض له تلك الأنظمة المعلوماتية، وهي بذلك الوزن الكبير الذي أصبحت تحتله في حياة البشرية اليوم.
لا يمكن الانفصال أو التراجع عن تلك الأنظمة، والتخلي عن المكتسبات الهائلة التي وفرتها للبشرية المعاصرة، والمستقبل الواسع الذي بيدها أن تحققه لطموحات البشرية في كافة مجالات الحياة، وفي ذات الوقت، لا توجد ضمانات كاملة أمام الجميع للوقاية من تكرار هذا العطل التقني العالمي، وهنا مكمن الخطر الذي يحاول الجميع ويعملون بصورة دؤوبة ومستمرة على سد ثغراته المحتملة، وتجنب آثاره الوخيمة والكارثية أيضا، وما أسباب العطل العالمي الأخير التي جاءت من منطقة من هو في الأصل مكلف بتوفير الحماية والأمن لتلك الأنظمة المعلوماتية، إلا دليل دامغ على خطورة الواقع العالمي الراهن، فالطرف المفترض أن يكون هو الحارس الأمين! هو من تسبب في حدوث هذا العطل العالمي.
لا أحد من الأطراف يمتلك الحل الشامل، بقدر ما إن على كل بلد أو مجتمع جزئي من عالم اليوم، أن يعمل على توفير البدائل التي يمكن الاعتماد عليها في حال تكرار العطل التقني العالمي الأخير، وهو أمر محتمل لا يمكن إنكار احتمالية حدوثه مرة أخرى، وبغض النظر عن كونه قد يأتي أكبر أو أصغر، فالحلول البديلة وإدارة الأزمات أمر لا مفر منه بالنسبة إلى كل بلد من بلدان العالم، وهو الأمر الذي نجحت السعودية بحمد الله في تحقيقه حتى اليوم، وتقتضي التطورات العالمية المتسارعة وزيادة المخاطر المحيطة بها، أن تستمر الجهود وتسخير الموارد في هذا المجال دون توقف، والأخذ في الحسبان أن التحديات والمخاطر المحتملة في المستقبل، ستكون بالتأكيد أكبر وأوسع مما يواجهه العالم المعاصر اليوم.
نقلا عن الاقتصادية
كيف اوضاع الرؤية