رفع سن التقاعد وتأثيراته

09/07/2024 1
د.صالح السلطان

يعرف الأخوة القراء أن مجلس الوزراء الموقر أصدر نظام التأمينات الاجتماعية الجديد بتعـديلات في نظام الـقاعد المدني ونظام التأمينات الاجتماعية. ملخص التعديلات رفع سن التقاعد. ولا شك في حصول زيادة في متوسط الأعمار بفضل الله، وهذه الزيادة بررت رفع سن التقاعد، رفع سن التقاعد له توابع طبعا. ويعني هذا الرفع زيادة أعوام العمل، فأعوام الاشتراك في التقاعد، ورفع عدد الأعوام اللازمة لطلب التقاعد المبكر. وما تحصل عليه التأمينات وما يدفعه المشترك يزيدان مع زيادة أعوام التقاعد، إن هيئات التقاعد في بلادنا وفي عموم دول العالم تعاني من مشكلة أساسية تتلخص في وجود عجز في مواردها، والمسمى فنيا العجز الأكتواري. وهذا العجز أحد أسباب رفع سن التقاعد، أشارت دراسات تطبيقية إلى أن زيادة سنت التقاعد متوقع أن لها تأثيرا إيجابيا بسيطا على النمو الاقتصادي على المدى البعيد. من العوامل أنه يسهم في زيادة سنوات العمل. والعمل عنصر من عناصر حركة الاقتصاد ونموه. طبعا الأمر ليس بالمطلق، نظرا لاعتماده على تفاصيل مثل طبيعة الاستفادة من زيادة أعوام العمل.

متوقع وجود علاقة بين تأخير سن التقاعد والادخار والانفاق الاستهلاكي. تعد الاستقطاعات التقاعدية من نوع ادخار إجباري، ولكن العاملين يعدونها أقرب إلى الضريبة. وتأخير سن التقاعد بدفع الناس إلى خفض نسبي في معدلات الادخار، ورفع نسبي في معدلات الانفاق. وكلاهما الخفض والرفع نسبي بسيط. ليس هناك من نظرية موضع اتفاق في تأثير رفع سن التقاعد في اقتصادات الدول. التأثير يعتمد على عوامل كثيرة، مثل معدل زيادة السكان وزيادة متوسط الأعمار. ويخفف سن التقاعد على مالية الدولة مصاريف التأمينات الاجتماعية، ما تأثير زيادة سن التقاعد على أمور السكن والعقار؟ أشارت دراسات في دول إلى التقاعد المبكر عادة لا يؤثر سلبا في حجم السكن المطلوب. إن تأخير سن التقاعد، يعني أن الناس ستعمل لفترة أطول. وطبعا لهذا تأثير في الطلب على شراء المساكن. تأخير سن التقاعد يدفع كثيرين إلى إطالة مدة الادخار لشراء منزل. وتبعا يزيد الطلب على الاستئجار من حيث المتوسط العام. ومن جهة أخرى، التأخير يزيد من نسبة من يرغبون في تحسين مساكنهم الحالية، ما يقلل الطلب على شراء مسكن جديد. وفي كل الأحوال فإن التأثير بسيط.

التأثير في التوظيف موضوع معقد يعتمد على بنية كل دولة. في غالب الدول متوقع أن يؤدي إلى تأثير سلبي بسيط في حركة التوظيف. وبصفة عامة، فإن إسهام أصحاب العمل يرفع تكاليف العمل وتقلص من الطلب على التوظيف. لكن ذلك إجمالا في بلادنا مستبعد حدوثه بسبب كثرة الوافدين، وما جره ذلك من برامج توطين، أنظمة التقاعد العامة التي تعد الأفراد بتقديم قدر معين من المزايا عندما يصلون سناً متقدمة يمكن أن تحدّ من الادخار الخاص حيث يعتمد الإفراد على الدولة لتأمين "الحد الأدنى" من المعاش عندما يبلغون سن التقاعد. لكن الدراسات التي أجريت في دول مختلفة توصلت إلى نتائج متباينة فيما يتعلق بتأثير الضمان الاجتماعي في الادخار. وليس من الممكن تقديم استنتاج عام حول تأثير أنظمة التقاعد في الادخار ينطبق على كل الدول. يتفاوت التأثير وفق طبيعة الوظيفة ومعاس التقاعد المتوقع. وفي كل الأحوال التأثير بسيط.

إن نظام التأمينات الجديد يحمل إصلاحات. والمجال قائم لرفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي، بما يتلاءم مع التضخم، خاصة لبعض فئات التقاعد، مثل للمتقاعد مبكرا الذي لا تسمح ظروفه (الصحية مثلا) بالعودة إلى العمل، أو للمتقاعد المسن، وهنا مثال عددي جدا مبسط لتسهيل الفهم على غير المتخصصين، لنفترض حالة شخص في دولة ما، تمثل المتوسط العام للموظف من الموظفين، في الراتب وفي عدد سنوات الخدمة والوضع التقاعدي. وهنا خلاصة الحالة المفترضة بأرقام افتراضية مبسطة بهدف التسهيل، راتبه الشهري في البداية 1000. يزيد مع الوقت ليصل إلى 5000 في السنوات الخمس الأخيرة من خدمته التي استمرت 30 سنة. وهذا يعني أن متوسط الراتب خلال سنوات الخدمة 3000، وأن متوسط المعاش التقاعدي الشهري المستحق 3500 تقريبا، بافتراض أن الحسم من راتبه للتقاعد 10 % ومثلها يدفعها صاحب العمل سواء كان قطاعا عاما أو خاصا. هذا يعني أن المؤسسة التأمينية استلمت من الموظف خلال أعوام عمله ومن حيث المتوسط 600 شهريا.

ماذا يعني ذلك؟ معاش التقاعد الشهري لهذا الموظف يعادل تقريبا الاستقطاعات الشهرية من ستة موظفين على رأس العمل من حيث المتوسط العام. ويمكن أن يقل هذا العدد في حال توفر مصادر تمويل أخرى داخل المؤسسة التأمينية. الموضوع وتوابعه طويل والمقام لا يسمح بإعطاء مزيد من التفاصيل هنا. وبالله التوفيق.            

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية