المنطقة اللوجستية هي منطقة مخصصة لتجميع، توزيع، وتخزين البضائع والسلع وتقع بقرب الممرات الاقتصادية المهمة بين الدول أو بين القارات والهدف منها هو دعم سلال الإمداد وضمان الوصول السريع والتدفق المستمر للسلع. فهذه المناطق اللوجستية تحقق وفورات في تكاليف التخزين ودعم كفاءة عمليات التوزيع والتسليم، ما يقلل الوقت الذي تستغرقه البضائع للوصول إلى السوق، وذلك لأنها تمثل مجموعة واسعة من الخدمات اللوجستية في مكان واحد يسهم في سهولة إدارة سلاسل الإمداد بكل تفاصيلها، وقد أثبتت التجارب العالمية المختلفة للمناطق اللوجستية، وتعد المنطقتان اللوجستيتان في هونج كونج وسنغافورة من أوائل المناطق اللوجستية في العالم وفقا للمفاهيم الحديثة المشار إليها، فمثلا منطقة هونغ كونغ اللوجستية تعد واحدة من أهم وأبرز المناطق اللوجستية في العالم، ذلك بفضل موقع هونغ كونغ على بحر الصين الجنوبي، ما يجعلها نقطة محورية للتجارة بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، فهي من جانب تمثل بوابة تجارية رئيسة إلى الصين تسهل تدفق البضائع إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم، ومن جانب آخر هي مفتوحة على البحار الرابطة بين مختلف قارات العالم، لكن ليس ذلك هو السبب الوحيد بل لقد تم دعم هذه المنطقة المهمة بميناء هونغ كونغ الذي يعد من أكثر الموانئ ازدحاما في العالم ويتميز بقدرته على التعامل مع عدد كبير من الحاويات سنويا، ومطار لدعم حركة الشحن الجوي.
بما يوفره من خدمات نقل سريع وفعال للبضائع، كل ذلك جنبا إلى جنب مع مرافق تخزين حديثة تشمل مستودعات متقدمة، مرافق التخزين المبرد، ومراكز التوزيع الذكية التي تستخدم أحدث التقنيات اللوجستية، وتحسينا مستمرا لعمليات النقل والتخزين بما يسمح دوما بتقليل الزمن والتكاليف المرتبطة بسلسلة التوريد، وذلك بدعم من التكنولوجيا المتقدمة مثل أنظمة إدارة المستودعات وتتبع الشحنات يحسن الكفاءة التشغيلية. وتعد منطقة جبل علي في الإمارات نموذجا جيدا للتجارب العربية الناجحة في تطبيقات المناطق اللوجستية، في هذا السياق نجد أن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله يشيد بالمنطقة اللوجستية السعودية في ميناء جيبوتي خلال استقباله منتصف الأسبوع برئيس اتحاد الغرف السعودية في العاصمة جيبوتي، وقد تم خلال الزيارة استلام المنطقة اللوجستية السعودية في جيبوتي كنتيجة للعمل المثمر لمجلس الأعمال السعودي - الجيبوتي الذي أسس في 2017، كما أشاد رئيس سلطات الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي بأن الشركة السعودية "Global opportunity leadership company" التي ستكون مسؤولة عن تشغيل المنطقة الحرة في ميناء جيبوتي وتقع على مساحة 120 ألف متر مربع كمرحلة أولى، ويمتد عقدها لمدة 92 عاما، وتشتمل على معرض دائم، ومنصة للصناعات السعودية، ومنطقة تبادل تجاري تحوي عددا من المرافق والمستودعات.
ولاشك أن اختيار جيبوتي لتكون منطقة لوجستية تقوم بتشغيلها شركة سعودية هو من ثمار رؤية السعودية 2030 المباركة التي فتحت الآفاق لرجال الأعمال السعوديين للتطلع إلى إيجاد فرص النجاح التي يتمتع بها الموقع الجغرافي المميز للسعودية بين قارات العالم الثلاث، فجيبوتي تعد بوابة الشرق على إفريقيا، فوجود منطقة لوجستية هناك يسمح بتخزين البضائع ومن ثم تأمين نقلها إلى الأسواق الإفريقية الضخمة والنامية، وفرصة نوعية لنفاذ الصادرات السعودية إلى القارة الإفريقية، كما أن النمو الكبير للاقتصاد السعودي وتجاوزه عتبة الأربعة تريليونات ريال يجب أن يواكب انفتاحا كبيرا على الأسواق العالمية للحفاظ على زخم النمو.
فهذا الميناء سيعمل على تعزيز التجارة العالمية مع السعودية عند مرورها إلى إفريقيا عبر بوابة الموانئ السعودية على البحر الأحمر، وهو الأمر الذي سيحقق أهم نتائج نمو المناطق اللوجستية وهو يصنع فرص عمل مع تحقيق تطور تكنولوجي واسع إضافة إلى ما يحققه ذلك من قوى ناعمه وتأثير في حركة التجارة العالمية، وتدفقاتها، وقد أشار تقرير لـ"الاقتصادية إلى أن هناك عديدا من الشركات بدأت فعليا بالاستثمار في قطاعات الأغذية وقطاع غيار السيارات، والمنسوجات والتعبئة والتغليف، ومن المتوقع إيجاد 12 ألف فرصة عمل، في المرحلة الأولى، من إجمالي قدره 350 ألف وظيفة يحققها هذا المشروع، وفي ظل توجيهات سياسية بالإعفاءات الضريبية للشركات وعلى الدخل، إضافة إلى مجموعة من المزايا والخدمات التي يمكن أن تجذب الشركات من جميع أنحاء العالم، ولعل الاتجاه نحو القارة الإفريقية أصبح هدفا استثمارية واقتصاديا لكثير من الدول للاستفادة من إمكاناتها البشرية والطبيعية وتحاول أن تضع لها موطن قدم في هذه القارة.
وخلاصة الأمر فإن التحرك السعودي في هذا الاتجاه اللوجستي يأتي في إطار مفاهيم العالم الجديدة لاستغلال الموانئ تجاريا وبحريا ويصب أيضا في ربط هذه النقطة في إطار سياسي حيث إن هذا الجانب زاوية أساسية للتعامل الدولي للتكتلات السياسية التي تنظر إلى ممرات البحرية بأنها قوة سياسية تضم إلى الدعم الاقتصادي والتجاري لأي دولة في العالم وليست الصراعات اليوم ببعيدة عما يحدث في هذا الاتجاه.
نقلا عن الاقتصادية