عبر التاريخ البشري، التقنية والاقتصاد يتحركان في تناغم، فكل واحد منهما يدفع الآخر خطوة في سلم التقدم. بل إن هناك إجماعا بين المختصين على أن مستوى الحياة المادية استمر على نفس الوتيرة والمستوى منذ الحضارات الأولى قبل 10 آلاف سنة إلى نحو منتصف القرن الـ17 حيث كانت الصين أكبر اقتصاد في العالم وتليها الهند، لأن اقتصادات التقنية لم تتقدم كثيرا على الرغم من بعض التحسن، فلم يسيطر الإنسان على العلم العملي حتى الثورة الصناعية. جاء العصر التنويري في أوروبا ومن ثم الثورة الصناعية لتقلب الموازين في الحياة المادية والقوى بين الغرب والآخرين. قلب الثورة الصناعية كان ولا يزال علميا تقنيا، بل إن وتيرة التقنية ارتفعت تدريجيا حتى وصلنا إلى عصر الفضاء بداية بالطيران والعصر الرقمي بداية باختراع الموصلات الإلكترونية. بعدهما أصبحت الفجوة كبيرة وزاد منها ارتفاع المبالغ المستثمرة للحاق بالدول المتقدمة. هناك بعض المحددات التي أصبحت مثل القوانين للعلاقة بين التقنية والتقدم الاقتصادي. اخترت اثنين منها، الأول في الطيران أو لعله بدأ من صناعة الطيران والثاني في العالم الرقمي. أحد تعبيرات هذه النقلة جاء على هيئة قوانين، نوظف مصطلح (قانون) مجازيا لأنه ليس كقانون الجاذبية.
الأول يسمى قانون رايت Wright إذ ينسب لثيدور رأيت الذي اكتشفه في 1936. يقول إن كل تضاعف تراكمي لإنتاج وحدات يقود إلى تناقص في التكاليف بنسبة ثابته. توصل رايت لهذه العلاقة بعد تجربة طويلة في صناعة الطيران كمهندس ومفتش ومدير واستشاري لوزارة الدفاع الأمريكية بعد العمل في شركات صناعة طيران بوظائف متنوعة. لاحظ ودون أنه كلما تضاعف عدد الطائرات المصنعة تقلصت الحاجة للأيدي العاملة 10-15 %. اختصرها في معادلة رياضية لمن يريد أن يتعمق أكثر في الموضوع.
الثاني قانون موور Moore أحد مؤسسي شركة إنتل لأشباه الموصلات في 1965. كان يقول موور إن أعداد الترانسستور (أشباه موصلات تتحكم في الإشارة الكهربائية لإغلاقها وفتحها وكمية الطاقة فيها) تتضاعف كل عامين تقريبا. حين وصل إلى هذه العلاقة كانت الصناعة في بدايتها فلم يكن لديه معلومات كثيرة، لكنه طور رسما بيانيا للعلاقة، وذكر أنها ستستمر 10 سنوات على الأقل، لكنها استمرت نصف قرن. هذا قاد إلى ما يسمى أحيانا بقانون موور الثاني، الذي ينسب إلى آرثر روك Rock حيث لاحظ أنه مع كل جيل (سنتان) ترتفع تكلفة الاستثمار بالضعف لتأسيس معمل صناعة أشباه الموصلات. نجد تكلفة بعض هذه المصانع اليوم تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، كما تقوم به شركة تايوان لصناعة الموصلات في أريزونا.
السؤال الاقتصادي يدور حول الفرق بين القانونين. فقانون موور جوهريا يتناول انخفاضا سريعا في تكلفة إنتاج الترانسستور، ما جعل الصناعة الرقمية وخدماتها في متناول الجميع. بينما قانون رايت يتناول توقعات التكلفة بناء على عدد الوحدات المنتجة. الفرق الآخر أن قانون مور يعتمد على الوقت، بينما قانون رايت يعتمد على تراكم النشاط. في دراسة نسبيا حديثة حتى 2005 توصلت إلى أن قانون رايت أكثر دقة بنحو 40 %. فمثلا استطاعت صناعة بطاريات الليثيوم تقليص التكلفة بنحو 10 % سنويا حتى 2005، بعد ذلك لم يصبح الرسم البياني للتكلفة سهلا. في الأخير هذه ليست قوانين علمية تخضع لحدود علم الفيزياء والتجارب لكنها ملاحظات مهمة من أقرب الناس لهذه الصناعة، والأهم المدلول العلمي في العلاقة بين التقنية والاقتصاد. علاقة مباشرة ولصيقة ومستمرة لكنها تأخذ أشكالا متغيرة ومتسارعة تتغير بناء على معطيات لا يمكن توقعها.
نقلا عن الاقتصادية