المخاطر أحداث محتملة لها تأثير على الأشخاص (طبيعيين أو اعتباريين)، وقد سبق وتحدثت عن المخاطر كثيرا وقلت إنها سيدة الموقف في العالم اليوم وفي المستقبل، وقلت مرارا وتكرارا إن المؤسسة أو الشخص (عادي) الذي لم يضع مفهوم المخاطر في حسبانه ويبدأ بإدارة أعماله (حتى شؤون أسرته) وفقا لذلك يعرض نفسه وماله وولده للهلاك، وقلت مرارا إن مفاهيم الجودة ومفاهيم التخطيط الاستراتيجي ومفاهيم الإدارة بالأهداف كلها جميعا تتراجع لتخلي القيادة لإدارة المخاطر، من المؤسف طبعا تجاهل دراسة إدارة المخاطر والتدريب عليها حتى اليوم رغم كل المظاهر التي يشهدها البشر من أحداث طبيعية أو حروب أو تقلبات اقتصادية وسياسية حادة، ويمكن العودة لهذه المقالات بأرشيف "الاقتصادية". لقد أشرت في مقالات سابقة إلى صعوبة التخطيط والاستشراف أكثر من أشهر قليلة بعدد أصابع اليد الواحدة، فالحديث عن تنبؤات متوسطة وطويلة الأجل صعب جدا، ما لم تتوافر إدارة للمخاطر متمرسة بشكل معقد "جدا"، وهذا يتطلب قياسا معقدا للمخاطر أيضا.
القياس المبسط جدا للمخاطر يربط بين ثلاث قضايا وهي الخطر المستهدف ويسمى أيضا بالخطر المرغوب، (وسأشرح ذلك لاحقا)، وحجم تأثير الخطر، واحتمال وقوعه، هذه هي الثلاث قضايا الأساسية لقياس الخطر، وهي عادة توضع على شكل معادلة (الخطر = التأثير X الاحتمال)، وفي أغلب الأحوال يتم وضع معدل للتأثير والاحتمال يتراوح من (1) وحتى (3) حيث إن (3) هي القيمة الأعلى، لاحظ معي أن هذه القيم لا معنى فيزيائي ولا رياضي لها، فإذا كان حجم تأثير الخطر هو (1) واحتمال حدوثه هو (3)، فليس هذا يعني أن حجم الخطر (3)، هذه القيمة لا معنى رياضي ولا فيزيائي لها أبدا، ذلك أن العلاقة هنا علاقة منطقية وليست علاقة رياضية، والمقصود هنا هو تصنيف وفهم الخطر وليس حسابه، وللأسف كل من يتعامل مع هذه المعادلات يتعامل معها بهذه الصورة الرياضية وهذا شائع للأسف بسبب أساليب التدريب، والتسويق، فالهدف من العلاقة هو فهم آلية عمل الخطر وليس ضبط معادلته الرياضية (غير الموجودة أصلا)، فإذا أردت السيطرة على الخطر وإدارته فلا بد أن تسيطر على أمرين هما حجم تأثيره عليك، واحتمال حدوثه، ويمكن التعبير عن هذا بشكل كيفي (تعبيري) كأن تقول إن احتمال حدوث الخطر عال جدا بينما تأثيره على (مالي أو اصولي أو سمعتي أو ..) ضعيف، دون استخدام الأرقام نهائيا، ولا يخدعك أهل الاختصاص بهذه الأرقام ولا الخريطة الحرارية ولا ألوانها، افهم الأمر ببساطة حتى تستطيع إدارة أمورك. فمثلا لو أن كل أسرة درست هذه المخاطر جيدا ببساطتها قبل اتخاذ قرار خروج الأبناء للمدارس في أوقات التقلبات المناخية الحادة لما نشأت نقاشات حول المتسبب في موت طلاب المدارس في دولة شقيقة، لو أن كل شاب درسها جيدا قبل أن يسرع بسيارته لما شهدنا حوادث قاتلة، ولو أن كل من قرر شراء سهم لشركة لم تنشر قوائمها المالية ولم تقم توزيعات نقدية قد فهم الخطر المحدق بأمواله لسلم كثير من صغار المساهمين وسلمت لهم أموالهم.
في عالم الأعمال والإدارة تتعقد الأمور نوعا (ويجب ذلك)، فليس المطلوب هنا معرفة "حجم الخطر" الذي يحدق بالمنشأة، بل المطلوب هو تحديد "الخطر المرغوب"، هنا تتجلى عبقرية إدارة المخاطر ودورها الحاسم في المرحلة الحالية والمقبلة، فالمسألة تتعلق بقضايا مثل القدرة على تحمل الخطر، وحجم الإنفاق المقبول على الأدوات الرقابية، وهذه كلها أصبحت جزءا من المعادلة السابقة، لكن بشكل مقلوب تماما، فلا بد من تحديد حجم الخطر المرغوب ثم تعديل تأثيره أو احتمال حدوث بحجم الإنفاق على الإجراءات الرقابية وحجم القدرة على التحمل، ما يزيد في متغيرات المعادلة، ذلك أن الخوف الشديد من المخاطرة قد يعني تكاليف ضخمة تتعدى قدرة المنشأة على التحمل، وهذا صحيح على مستوى الاقتصاد الكلي.
نقلا عن الاقتصادية
لله درك وحسب .. مقال أكثر من رائع في الغرب تجد الشاب يخطط لما بعد التقاعد قبل حتى أن يتوظف رغم إن ديننا الإسلامي حثنا على الأخذ فالأسباب حتى في هز جذع النخلة التي نعلم يقيننا لو شاب فتيا هذها لن يتساقط عليه ( رطبا جنيا ) ولكن الله عز وجل وضع السبب وكذلك الحديث ( اعقلها وتوكل )لا يمكن للسماء أن تمطر ذهبا بدون الأخذ في الأسباب والبعد عن ( المخاطر المحتملة ) وحساب جميع المخاطر سواء كشخص أو كمنشأة أو كعائلة هذا على الصعيد الشخصي فكيف الدول التي تخطط وتضع خطط ٥٠ و ١٠٠ عام بارك الله فيك يا دكتور