الدين العام.. والإجراءات الاستباقية

16/04/2024 7
حسين بن حمد الرقيب

الأزمات المالية المتتابعة رفعت حجم الدين العالمي، وحالة عدم اليقين بتحسن الاقتصاد تثير المخاوف من حدوث أزمة مالية جديدة، ففي الاقتصادات المتقدمة، بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة، وفي الأسواق الصاعدة تراكمت الديون إلى مستويات عالية جدا، وهناك 40% من البلدان منخفضة الدخل بلغت مرحلة المديونية الحرجة، ومعها قد تصل إلى مرحلة التخلف عن سداد خدمة الدين العام، المملكة - ولله الحمد - مرت من تلك الأزمات بأقل الأضرار، وحسب بيانات الميزانية السعودية 2024 احتلت مرتبة متقدمة من بين دول العشرين من حيث الأقل في نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، ورغم أن الحكومة تستطيع خفض مستوى الدين، إلا أنها رأت أن المرحلة المقبلة تحتاج لإنفاق رأسمالي كبير من أجل دعم مشاريع الرؤية المعول عليها بنقل الاقتصاد إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة والتقليل من تأثير تقلبات أسعار النفط، ولذلك تعتقد الحكومة السعودية أن زيادة الإنفاق من شأنها زيادة معدلات نمو الناتج المحلي، وخصوصا الناتج المحلي غير النفطي، وبالتالي فإن الضخ المالي العالي سيفوق عائده على الاقتصاد بكثير تكاليف الاقتراض، وهو ما تحقق فعليا خلال السنوات الماضية، كما أن استدامة وصول المملكة إلى أسواق الدين تحافظ على منحنى العائد الطبيعي، وتساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات أكثر دقة، وتعطيهم القدرة على تحليل الاستثمارات، كما أنها توفر معلومات لوكالات التصنيف الائتماني، من أجل تحديد تصنيف ائتماني مستحق.

اقتصاد المملكة ينمو رغم المخاطر والمتغيرات الاقتصادية حول العالم، والأحداث الجيوسياسية ما زالت تشكل تحديا للاقتصاد العالمي، ولعل ذلك هو ما دفع المركز الوطني للدين لأعداد خطة جيدة أخذت في الحسبان عند إعداد استراتيجية الدين العام وموازنة قرارات التمويل مع خمسة اعتبارات للمخاطر وهي: السيولة، وإعادة التمويل، وأسعار الفائدة، وأسعار الصرف، والتصنيف الائتماني، إضافة لعمله مع البنك المركزي على ضمان عمق سوق الدين المحلي، بما يكفي لاستيعاب أحجام الإصدارات واستقرار أوضاع السيولة في السوق المحلي، ولعل توقعات التقرير الصادر عن إدارة الدين بارتفاع حجم الدين في عام 2024 إلى حوالي 1.115 مليار ريال تمثل نسبة 26.2% من الناتج المحلي الإجمالي هي ما يبرر توجه الحكومة إلى زيادة الدين الذي يفضي إلى زيادة في الناتج المحلي، كما أن متوسط تكلفة الدين الذي بلغت نسبته 3.62% في نهاية عام 2023 يعد أقل بكثير من تكلفة الدين الحالية، وهذا مؤشر على نجاح المملكة الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها بالحصول على ديون منخفضة التكلفة.

التصنيف الائتماني للديون السيادية مهم لأي دولة، والمحافظة عليه أو رفعه هو إحدى أولويات الحكومة من أجل خفض تكاليف الاقتراض عليها وعلى صندوق الاستثمارات العامة والشركات، ورغم ارتفاع الدين العام خلال السنوات الماضية، إلا أن شركات التصنيف الائتماني رفعت درجة تصنيفها للمملكة، بفضل الإجراءات الاستباقية التي انتهجتها.

 

 

المقالة منشورة في المجلة المالية التي يصدرها مركز التواصل والمعرفة المالية (متمم) العدد السادس، مارس