كانت التوقعات أن يبدأ الين الياباني بالارتفاع مقابل العملات العالمية الكبرى عقب قرار رفع معدل الفائدة في اليابان قبل نحو أسبوعين لأول مرة منذ 17 عاما، ولكن ذلك الارتفاع لم يتحقق، بل حصل مزيد من الضعف من مستويات 146 ينا للدولار إلى أكثر من 151 ينا حاليا، والأسباب عديدة، أهمها أن سعر الصرف يتحكم به فرق معدلات الفائدة بين الدول، فحتى مع الارتفاع البسيط في الفائدة اليابانية لا يزال هناك فارق كبير مقارنة بالفائدة في أمريكا وأستراليا ونيوزيلاندا، وهي الدول ذات العملات التي تستخدم في عمليات المتاجرة بفوائد العملات carry trade. استمرار ضعف الين يعني أولا أن محترفي معدلات الفائدة والعملات يستبعدون حصول تراجع في معدلات الفائدة في أمريكا، وهذا بالمناسبة خبر سيئ لأسواق الأسهم التي يعزى ارتفاعها في الآونة الأخيرة إلى شبه التأكد التام أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بإجراء خفضين أو أكثر لمعدلات الفائدة في 2024. ولو كانت هناك قناعة في حدوث الخفض لتراجعت عمليات المتاجرة بفوائد العملات ولكن يبدو أن ذلك لم يحدث حيث لا تزال هناك ضغوط بيع على الين الياباني، فالذي يحصل في أبرز صور هذه العمليات هو أن يقوم المستثمرون بالاقتراض بفائدة متدنية في اليابان ومن ثم تحويل ذلك إلى الدولار الأمريكي أو الأسترالي أو غيرهما من العملات التي لدى دولها معدلات فائدة عالية، وفي حال استمرار ضعف سعر صرف الين ينتج عن ذلك أرباح كبيرة جدا، وهذا بالفعل ما حدث منذ بداية 2021.
فكرة المتاجرة بالفائدة تخالف نظرية تكافؤ معدلات الفائدة التي تقول إنه لا يمكن استغلال التباين في معدلات الفائدة بين الدول لأن سعر صرف العملة المستقبلي يأخذ ذلك في الحسبان، أي إنه بهذه الحالة من المفترض أن يرتفع الين مستقبلا ليمحو أي ربح ناتج عن اختلاف معدلات الفائدة، ولكن ذلك لم يحدث في السنوات الثلاث الماضية. ومع ذلك لا تزال العقود المستقبلية للعملة تشير إلى سعر صرف بعد عام من الآن بحدود 145 ينا للدولار، ما يعني استمرار ضعف الفائدة اليابانية التي رغم الرفع الشكلي لها لا تزال اليابان صاحبة أدنى معدل فائدة حقيقي من بين جميع الدول الكبرى، حيث لا يزال العائد على المدى القصير بالسالب، وأقرب الدول إلى ذلك سويسرا بفائدة أعلى من 1 % بقليل، وأوروبا بمتوسط فائدة دون 4 % ومن ثم أمريكا بأعلى من 5 %.
بالطبع هناك أسباب هيكلية أخرى لاستمرار ضعف الين منها أن الصادرات اليابانية لم تستجب لجاذبية سعر الصرف، فمنذ بداية تراجع الين بنهاية 2020 انخفضت الصادرات اليابانية بنسبة 3.3 %، وذلك بعد أخذ تأثير التضخم في الحسبان، علما أن هناك أسبابا أخرى لتراجع الصادرات نتيجة توجه الشركات اليابانية إلى التصنيع في الخارج، بدلا من التصنيع في الداخل ومن ثم التصدير إلى الخارج. كذلك فاليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد عالمي بنسبة تزيد على 5.2 في المائة من الناتج العالمي في حقيقة الأمر لا ترغب في رفع أسعار الفائدة لما لذلك من تأثيرات سلبية في اقتصادها المنهك، ولذا بدأت اليابان بتثبيت سعر الفائدة عند سالب 10 نقاط أساس منذ عام 2016 وأقرت في وقتها سياسة جديدة للتحكم بمنحنى عائد استحقاق السندات، حيث يتم ذلك بالاستمرار في شراء السندات العشرية لضخ السيولة في القطاع البنكي في محاولة لانعاش الاقتصاد، ولم تنجح هذه السياسة كما هو متوقع ولم يعد الاقتصاد الياباني إلى مستويات النمو التي كانت تتخطى 12 في المائة في الستينيات والسبعينيات الميلادية.
التجربة اليابانية تستحق مزيدا من الدراسة لاستكشاف مسببات التراجع الاقتصادي الذي جاء بعد ارتفاعات خرافية في الأصول من عقارات وأراض وأسهم خلال التسعينيات الميلادية، وانتهى بفقاعة اقتصادية مدوية ضربت أركان الاقتصاد الياباني وأحدثت تراجعات في أسعار الأسهم استمرت 35 عاما إلى ما قبل أسابيع قليلة حين عاد مؤشر نيكاي 225 لأول مرة إلى مستوياته في 1989.
نقلا عن الاقتصادية
من الاسباب المجتمع الياباني مجتمع مسن وفئة الشباب قليلة وأفراد المجتمع الياباني نظام الإدخار عالي جدًا وغير مستهلكين وهذا سبب ضعف الطلب على الخدمات والسلع وينعكس سلبًا على نمو الشركات وعلى الين الياباني