القضاء على فقر الطاقة: قصة نجاح يكتبها صندوق الأوبك

03/04/2024 0
أ. سليمان بن جاسر الحربش

يصادف الاسبوع الأخير من شهر يناير من كل سنة مرور ثمانية واربعين عاماً على تأسيس صندوق اوبك للتنمية الدولية The OPEC Fund for International Development، والذي عُرف باسمه المختصر أوفيد ."OFID" لقد شهدت شخصياً مولد النواة الاولى لقيام هذه المؤسسة في قمة اوبك الاولى في مدينة الجزائر عام 1975 ثم تشرفت بتعييني مديره التنفيذي لمدة خمسة عشر عاماً (2003-2018) وشاركت مع زملاء ينتمون الى أكثر من ثلاثين دولة وثقافة في المبادرات والجهود التي بذلها اوفيد في حملته للقضاء على فقر الطاقة، لا أحد يجادل في أهمية عنصر الطاقة في تحقيق اي تنمية اقتصادية مستدامه. لا غرو اذن -والامر كذلك -أن يحتدم الجدل في اوفيد حول اهداف الألفية الثمانية التي تصدت لكل اشكال الفقر ماعدا فقر الطاقة الذي هو الهدف التاسع المفقود، يعُرّف فقر الطاقة بأهم مظاهره وهي وجود مالا يقل عن ستمائة مليون نسمة في العالم محرومون من الطاقة الكهربائية ووجود 2.3 مليار نسمة يحرقون الحطب ومخلفات الحيوانات (مثل الجلّة) في معاشهم اليومي ووفاة ما يصل الى اربعة ملايين نسمه سنوياً جراء استنشاق الهواء الفاسد المنبعث من حرق هذا الوقود، تبعاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية.

بدأ التعريف بفقر الطاقة وقصور الامم المتحدة عن معالجته ضمن اهداف الألفية الصادرة من المنظمة الدولية عام 2000 بشكل واكب الحملة الإعلامية التي طالب بها المقام السامي في برقية وجهها لوزير البترول عند الموافقة على ترشيحي مديرا عاما للصندوق. وأصبح اوفيد يعرف في اوساط المنظمات الدولية المقيمة في فينا مثل منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) بصفته الجهة التي ازاحت الستار عن هذا الخلل الجوهري في الأهداف الإنمائية للألفية، لقد شمل النشاط الاعلامي المكثف لاوفد عدة ادوات مثل الندوات والمقابلات التلفزيونية والصحفية والنشرات التي تشير الى القضاء على فقر الطاقة على انه الهدف التاسع المفقود. ثم أتت الفرصة المناسبة التي ننتظرها وهي استضافة حكومة خادم الحرمين الشريفين قمة اوبك الثالثة في شهر نوفمبر 2007م،

حيث كان من اصداء الحملة التي نظمها ونفذها اوفيد ان طلب منا المشرفون على إعداد البيان الختامي للقمة اعداد نبذة عن فقر الطاقة، ودخلت هذه النبذة في الفصل الثاني من بيان الرياض وهو خاص بالطاقة والتنمية المستدامة، والحقيقة التي تلت قمة الرياض ان هذا الفصل أصبح نواة لخطة عمل في اوفيد تفرعت الى ثلاثة محاور:

1) التوسع في النشاط الإعلامي،

2) الشراكة مع شركات الطاقة ومنها ارامكو وشل وتوتال وشلامبرجيه،

3) تمويل بعض مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة في افريقيا واسيا.

بلغ المستوى الاعلامي ذروته بتنظيم اول ندوة عن فقر الطاقة في ابوجا عاصمة نيجيريا شارك فيها عدد من صناديق التنمية العالمية وعلى رأسها البنك الدولي كما شاركت في الندوة شركات طاقة عديدة مثل شيفرون واكسون وشلامبرجيه. لقد كانت أهم نتيجة توصلت اليها الندوة هو ان ألية السوق المعتادة فشلت في حل مشكلة فقر الطاقة ولابد من اسلوب جماعي للتصدي لهذه المعضلة، وفي صيف عام 2008 دب الذعر في السوق البترولية عندما بلغً سعر زيت خام غرب تكساس 147 دولار للبرميل فدعت المملكة الى مؤتمر طارئ لمنتجي ومستهلكي البترول انعقد في مدينة جدة في 22 من شهر يونيو.

القي الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) خطاباً في المؤتمر اطلق من خلاله شعار الطاقة للفقراء Energy for the poor وطلب من البنك الدولي وبقية الصناديق التصدي لفقر الطاقة وخص اوفيد باقتراح مؤداه تخصيص مليار دولار لهذا الغرض، وبعد مفاوضات دامت ثلاث سنوات بين اصحاب المعالي اعضاء المجلس الوزاري وادارة اوفيد وافق المجلس على تخصيص مليار دولار للقضاء على فقر الطاقة، وفي تلك السنة 2011 بدأت الامم المتحدة الحديث عن اهداف التنمية المستدامة وعلى رأسها فقر الطاقة اي بعد ثلاث سنوات من بدء الحملة التي كان لأوفيد شرف المبادرة بإطلاقها للمرة الاولى .

وفي صيف عام 2012م شارك صندوق اوفيد في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ ريو+20 في البرازيل، الذي عقدته تلك الدول التي شاركت في مؤتمر قمة الارض حول التغير المناخي عام 1992 وخلال هذا المؤتمر أعلن اوفيد تخصيص مليار دولار في حساب متجدد للقضاء على فقر الطاقة، وكان هذا الاعلان من اهم النتائج الملموسة للمؤتمر، والذي أقيم اساساً لتشكيل استراتيجيات للحد من الفقر، والنهوض بالعدالة الاجتماعية، وضمان حماية البيئة، بعد صدور اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في سبتمبر 2015م، وتخصيص بند خاص بالطاقة وهو السابع صارت قضية فقر الطاقة مطلباً اممياً كل يحاول المساهمة في ترويجه وتنفيذه مثل مجموعة العشرين ومؤتمرات الاطراف عن التغير المناخي، كانت مهمة جسيمة هدفها تنفيذ رسالة نبيلة اضطلع بها اوفيد بمساندة منً حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تملك أكثر من ثلث رأسمال اوفيد. كانً من أبرز نتائجها ان نصيب ما يخصص من اعتمادات لمشاريع الطاقة بعد بدء الحملة قد ارتفع من 18%الى 30% ؜في السنوات التي تلتها.

اما المشكلة فقد تراجعت بعد صدور اهداف التنمية لكنها لازالت اهم معوقات التنمية في العديد من الدول النامية خاصة تلك التي يصنفها البنك الدولي تحت خط الفقر. وإن كان من جديد في هذه القضية فهو بروز بعدها الأخلاقي اذ كيف يتحدثون في مؤتمرات الاطراف التي تعنى بالتغير المناخي عن الهيدروجين الاخضر كواحد من أنظف انواع الوقود بينما ملايين البشر في افريقيا واسيا لازالوا مضطرين لاستخدام طرق بدائية في معاشهم اليومي مثل حرق الحطب ومخلفات الحيوانات.

أخيراً، تجدر الإشارة الى أنه على المستوى الدولي الحالي فان حلقات النقاش فيما بين منظمات حقوق الانسان والحكومات ومنظمات المجتمع المدني أصبحت تنطلق من مبدأ مهم وهو أنه من أبسط حقوق الانسان الحصول على طاقة حديثة بأسعار معقولة.

 

 

 

المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد رمضان 1445 هـ / مارس 2024 م