تطورات الوظائف في القطاع الخاص خلال 2023

15/01/2024 3
عبد الحميد العمري

أظهرت أحدث بيانات الوظائف في القطاع الخاص خلال 2023، ارتفاع إجمالي حجم العمالة بنسبة 16.7 في المائة، أي بصافي زيادة سنوية وصلت إلى نحو 1.6 مليون عامل، ليستقر إجمالي عدد العمالة في القطاع الخاص مع نهاية العام الماضي عند مستوى ناهز 11 مليون عامل. ووفقا لبيانات كل من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمرصد الوطني للعمل، فقد ارتفع عدد السعوديين والسعوديات العاملين في القطاع الخاص خلال العام الماضي بنسبة 6.6 في المائة، أي بصافي زيادة سنوية بلغت 144.4 ألف عامل، إلى أن استقر إجمالي عددهم مع نهاية العام بأعلى من 2.3 مليون عامل. في المقابل، سجلت العمالة الوافدة ارتفاعا سنويا أكبر بنسبة وصلت إلى 19.8 في المائة، ووصل إجمالي عددها في القطاع الخاص مع نهاية العام الماضي إلى نحو 8.7 مليون عامل، الذي يعد أعلى عدد للعمالة الوافدة وصلت إليه في تاريخ القطاع الخاص، كما يعني ذلك المستوى القياسي للعمالة الوافدة بنهاية العام الماضي زيادتها سنويا بصاف تجاوز سقف 1.4 مليون عامل وافد، شكلت نحو عشرة أضعاف صافي الزيادة في العمالة السعودية، وهو ما ترتب عليه انخفاض معدل التوطين في وظائف القطاع الخاص إلى 21.1 في المائة، مقارنة بنحو 23.1 في المائة التي كان قد سجلها المعدل بنهاية 2022.

يعزى السبب الرئيس وراء تفوق أعداد العمالة الوافدة بنحو عشرة أضعاف حصة العمالة من المواطنين، إلى تركز تسعة أعشار الوظائف التي ولدها القطاع الخاص خلال الفترة الماضية في قطاعات التشييد والبناء، وهي الوظائف الأدنى أجورا ومهارات كمتطلبات للتوظيف، وهو ما أصبح محورا مهما يقتضي المبادرة بإحداث كثير من التغييرات الجوهرية في برامج التوطين المعمول بها على وجه الخصوص، وعلى مستوى السياسات الكلية لتوطين الوظائف في سوق العمل المحلية، إضافة إلى بقية الاعتبارات والعوامل المرتبطة بالمستجدات القائمة والمحتملة على مستوى الاقتصاد الكلي، بدءا من الزيادة المحتملة لتدفقات الاستثمار الأجنبي، وازدياد تدفق الشركات الأجنبية على المملكة، وكثير من المتغيرات الأخرى ذات العلاقة بتطوير هيكلة الاقتصاد المحلي.

تؤكد تلك التطورات السابقة، والمتوقع عدم تغير العوامل التي أفضت إليها في الأجلين القصير والمتوسط، قياسا على استمرار الإنفاق الرأسمالي على كثير من المشاريع العملاقة وتطوير البنى التحتية للاقتصاد الوطني، التي تستهدف الانتقال بهيكلة الاقتصاد نحو مواقع أعلى على سلم تنويع القاعدة الاقتصادية، كل ذلك يؤكد أهمية ما سبق الحديث عنه في العام الماضي بشأن تحفيز الدفع بمعدلات نمو توطين الوظائف في القطاع الخاص، بالعمل على استحداث مزيد من السياسات الاقتصادية والمبادرات التي تستهدف تحقيق هذا الهدف التنموي "توظيف الموارد البشرية المواطنة بمعدلات أسرع"، وبما يسهم في تحقيق مزيد من الضغط على البطالة بين السعوديين والسعوديات، لعل من أهم وأبرز ركائز هذه السياسات المقترحة، أن تقوم على استبعاد كتلة العمالة الوافدة من الوظائف متدنية الأجور والمهارات "التي شكلت المصدر الأكبر لزيادة العمالة الوافدة طوال العامين الماضيين"، ويتمثل السبب الرئيس وراء استبعاد تلك الوظائف من أولويات برامج ومبادرات التوطين، أنها في الأصل لا تحظى بطلب حقيقي من قبل الموارد البشرية المواطنة، بل قد يصل الأمر إلى رفض تلك الوظائف من قبل الموارد البشرية المواطنة الباحثة عن عمل، لأسباب جوهرية لدى الباحثين عن عمل ترتبط بانخفاض أجرها الشهري، وتدني المؤهلات العلمية اللازمة لها مقارنة بالمؤهلات التي حصلت عليها، وطالما تم اقتراح استبعاد هذه الوظائف من مضامين وأولويات برامج التوطين طوال أكثر من عقد زمني مضى لأسباب عديدة، لعل من أهمها وأكثرها اعتبارا، أنها تتسم بارتفاع تكلفتها ماليا على كاهل منشآت القطاع الخاص، بدءا من تعذر وجود الطالب أو القابل بها من الموارد البشرية المواطنة، لما سبق من أسباب ذكرت أعلاه، وانتهاء بارتفاع المقابل المالي المحتسب عليها في حال إشغالها بعامل وافد في نهاية المطاف، وهو ما أكدته ولا تزال التطورات الأخيرة والراهنة لتلك الوظائف متدنية الأجور والمهارات في القطاع الخاص.

علينا جميعا إدراك طبيعة التطورات الراهنة والمحتملة مستقبلا على مستوى الاقتصاد العالمي، وما يشهده من تصاعد مطرد لحجم تحدياته ومخاطره التي أشارت إليها تقارير محلية "وزارة المالية"، وأيضا دولية "صندوق النقد الدولي، البنك الدولي". وأن وعيا واسع النظرة في الشأن تجاه تلك المتغيرات الخارجية، وتأثيراتها في الاقتصاد المحلي، يحمل في طياته أهمية قصوى بانتهاج منهجية جديدة أكثر ديناميكية ومرونة، تعتمد على التركيز النوعي والتخصصي، الذي يأخذ في الحسبان نوعية الوظائف، ومستوى المهارات والشهادات العلمية اللازمة، ومستوى الأجر الشهري لتلك الوظائف، والتخلي بأكبر درجة ممكنة عن المعايير القائمة على العدد الكمي للوظائف فقط، الأمر الذي سيؤدي في خلاصة نتائجه المتحققة على أرض الواقع، إلى تخفيف التكاليف والأعباء المالية عن كاهل القطاع الخاص، وذلك فيما يتعلق بالوظائف الأدنى أجورا ومهارة ومؤهلات علمية أدنى، وبما سيؤدي إلى تخفيض تكاليفها على ميزانيات المنشآت، ومن ثم خفض أسعار الخدمات والمنتجات والسلع، وزيادة تنافسيتها محليا وفي الأسواق الخارجية. وفي مقابل ما تقدم من تغييرات مأمولة على سياسات التوطين، يتم التركيز أكثر على زيادة الأعباء المالية والاشتراطات في خانة الوظائف الأكثر طلبا من الموارد البشرية المواطنة، التي سيسهم تحققها في رفع تكلفة الاستقدام، وتوظيف الوافد في الوظائف الشاغرة لدى منشآت القطاع الخاص، ما سيدفعها بدرجة أكبر إلى تفضيل العامل المواطن، والخروج من الوضع الراهن الذي سمح بزيادة وظائف العمالة الوافدة أكثر من المواطنة في الوظائف الأكثر طلبا والأعلى أجورا.

 

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية