صدرت الأسبوع الماضي ميزانية الدولة للعام القادم والتي جاءت حسب التوقعات بأن تكون توسعية لتحقيق عدة أهداف تخدم التوجهات الاقتصادية الرامية لرفع معدلات النمو عبر دور أفقي لكافة القطاعات الاقتصادية وخصوصاً المستهدفة بدور بارز في النمو برؤية 2030 التي باتت المظلة الكبرى التي يندرج تحتها كافة خطط الإنفاق العام التشغيلي والاستثماري عبر الميزانية العامة وكذلك الأذرع الاستثمارية والتمويلية الرسمية فهذه الميزانية تأتي في ظل ظروف عالمية معقدة اقتصادياً وجيوسياسياً ومع ذلك فهي ركزت على التوازن بين المستهدفات وأولها استمرار النمو الاقتصادي وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية، من خلال بيان الميزانية يتضح استمرار التأكيد على الإنفاق الاستراتيجي الموجّه مناطقياً وقطاعياً فجميع مناطق المملكة تتمتع بميز اقتصادية ويتم تنفيذ مشاريع ومبادرات للاستفادة من هذه الإمكانيات بهدف التوسع الأفقي بزيادة دور كل منطقة بالناتج المحلي بالإضافة لتوفير الخدمات وأيضاً توليد فرص العمل فيها حتى لا يكون هناك هجرات للمدن الكبرى بقصد البحث عن فرص عمل ومن خلال ضخ الإنفاق الاستثماري بكافة المناطق وفق ما تتمتع به من إمكانيات فإن ذلك يحقق الجانب الآخر من المعادلة وهو التوسع بدور كافة القطاعات الاقتصادية بهدف الدور الأفقي المهم لها بالتنمية كالقطاعات الخدمية والصناعية والزراعية واللوجستية والطاقة والتطوير العقاري وما يخدمها من قطاعات مالية وصحية وتعليمية وخدمات النقل والاتصالات والعديد من الأنشطة فالرؤية منذ اعتمادها وبداية انطلاق المشاريع الكبرى والمبادرات بدأ الإنفاق العام ترتفع كفاءته ويزداد إثر كل ريال ينفق ففي آخر خمسة أعوام تقريباً ارتفع الناتج الإجمالي بحدود 65 بالمائة من حوالي 2500 مليار ريال إلى 4200 مليار ريال لتكون المملكة أول دولة تتخطى حاجز التريليون دولار بناتجها الإجمالي في الشرق الأوسط كما أن نسبة البطالة انخفضت خلال نفس المدة من حوالي 12 بالمائة إلى 8 بالمائة مع دخول 600 ألف من القوى البشرية الوطنية لسوق العمل بفرص جيدة حيث ارتفع أيضاً متوسط الرواتب للمواطنين بالقطاع الخاص بحدود 45 بالمائة من حوالي 6،6 آلاف ريال إلى 9،6 آلاف ريال فنشاط قطاعات السياحة والتعدين والتطوير العقاري والقطاع المالي الذي شهد تطورات مهمة وغيرها من الأنشطة المكملة لها ساهمت بتوليد فرص عمل ضخمة وكذلك جذبت استثمارات كبيرة.
كما أن ما يلفت النظر بأهداف الميزانية إلى جانب الحفاظ على النمو الاقتصادي هو التركيز على الاستدامة المالية وأخذ كل الاحتياطات لتجنب تأثير أي صدمات بالاقتصاد العالمي لدعم النمو الاقتصادي وعدم تأثر المالية العامة والحفاظ على التصنيف الائتماني القوي للمملكة الذي يمكنها من الحصول على أي تمويل تحتاجه من الأسواق بيسر وبأسعار تكلفة مناسبة إضافة إلى ماذكر من التأكيد للمحافظة على الاحتياطي الحكومي عند مستويات 395 مليار ريال لما لذلك من أثر على تدعيم المالية العامة واستقرار سعر صرف الريال وتعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني إضافة للسيطرة على التضخم عبر عدة إجراءات من بينها مرونة مدد تنفيذ المشاريع والتركيز على الأكثر أهمية وذات العائد الأسرع مع دعم استراتيجيات كافة القطاعات كالصناعة والإسكان وبرامج التحول الوطني والسياحة وغيرها مما يرفع من حجم الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد ويزيد من العرض بالمنتج والخدمة المحلية وهي من عوامل كبح التضخم على المديين المتوسط والبعيد وكذلك التضخم المستورد بخفض الواردات وهو ما يعزز من قوة الميزان التجاري الإيجابي حالياً لصالح المملكة مع العالم تجارياً كما تراعي الميزانية بمرونتها الجانب الأهم في مرحلتنا الحالية التي يمر بها العالم حيث توازن بين كل تلك المعطيات وهو ما يساهم بتعزيز قوة ومتانة الاقتصاد والوصول لأهداف الرؤية بوقتها المحدد مع التحوط من كافة المخاطر العالمية حيث مازالت البنوك المركزية للاقتصادات الكبرى ترفع الفائدة بهدف لجم التضخم لديها إضافة لارتفاع الدين العالمي وكذلك تقلبات أسواق النفط إضافة لأثر الأحداث الجيوسياسية عالمياً السلبي على سلاسل الإمداد وتراجع نمو الاقتصاد العالمي.
ميزانية توسعية تأخذ بعين الاعتبار دعم الإنفاق العام للنمو الاقتصادي وتعزيز دور المستهلك ورفع حجم الطلب المحلي بتوازن يخدم الاقتصاد والسياستين المالية والنقدية مع تركيز على رفع دور القطاع الخاص وهو الأهم بالنسبة للمستثمرين وقطاع الأعمال حيث إن النمو الذي تحقق العام المالي المنتهي 2023 جاء جله من القطاع غير النفطي الذي نما بنسبة 5،9 بالمائة وعوض تراجع القطاع النفطي ومع تخصيص 189 مليار ريال للإنفاق الرأسمالي إضافة لدور صندوق الاستثمارات العامة وغيره من الجهات الشريكة باستراتيجية الاستثمار فإن حجم الأعمال والمشاريع يستمر بنفس الزخم وهو ما سيرفع من دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي ولعب الدور الأكبر فيه وفق مستهدفات الرؤية.
نقلا عن الجزيرة