أضفى مضمون الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024 مزيدا من الثقة حول أداء المالية العامة، ودورها الرئيس في دعم الاستقرار الاقتصادي، الذي تضمن عجزا عن العام المالي الجاري بنحو 82 مليار ريال (2.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وتوقعات أن يبلغ 79 مليار ريال في العام المالي المقبل (1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، أخذا في الحسبان التزام المالية العامة بالمحافظة على مستوى تحفيزي للاقتصاد الوطني في الأجل المتوسط 2024 - 2026 بمتوسط نمو للإنفاق الحكومي يبلغ 2.4 في المائة، وليصل إجمالي الإنفاق الحكومي المتوقع للفترة إلى أعلى من 3.9 تريليون ريال، أي بما يشكل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي للفترة نفسها، ودون إغفال المحافظة على الاستدامة المالية مقارنة بـالإيرادات الحكومية المتوقعة خلال الفترة نفسها، بالعمل على تعزيز الإيرادات غير النفطية مقابل التذبذبات المتوقعة في جانب الإيرادات النفطية، قياسا على التوقعات غير المواتية لمستقبل الاقتصاد العالمي خلال الأعوام القليلة المقبلة، وقدرت المالية العامة إجمالي الإيرادات الحكومية خلال 2024 - 2026، بالاعتماد على السيناريو الأساسي المتحفظ بنحو 3.7 تريليون ريال، ما سيؤدي إلى تشكل إجمالي عجز للفترة بنحو 261 مليار ريال عن الأعوام المالية الثلاثة المقبلة، ورغم ذلك تتوقع المالية ألا يتجاوز سقف الدين العام بنهاية تلك الفترة سقف 1.29 تريليون ريال (26.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2026).
في المجمل، تعكس القراءة الأولية والمختصرة جدا لتفاصيل الميزانية العامة للدولة في الأجل المتوسط، التأكيد على أهمية المحافظة على المساهمة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي، وضمان قدرته على التكيف مع التحديات الراهنة والمتوقعة في ظل الأوضاع غير المواتية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، إضافة إلى استمرار ترجمة مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030 وتقدمها على أرض الواقع عاما بعد عام، والوصول بها إلى تحقيق مستهدفاتها في نهاية عمرها المقرر، وما يشمله ذلك على رأس أولوياتها من الدفع بمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي (مساهمة مستهدفة 65 في المائة)، التي ستحمل زيادتها عاما بعد عام حتى نهاية 2030، مزيدا من تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وتخفيف الاعتماد على النفط، وزيادة قدرة الاقتصاد الوطني على إيجاد مزيد من فرص العمل، والمساهمة في خفض معدل البطالة إلى 7.0 في المائة فما دون بنهاية 2030، إضافة إلى زيادة حجم القطاع الخاص بما يسهم في زيادة وتعزيز الإيرادات غير النفطية، وتخفيف الآثار العكسية الناتجة عن تذبذبات الأسعار العالمية للنفط، وكانت قد سجلت معدل نمو جيد خلال العام المالي الجاري، وصل إلى 7.3 في المائة، لتستقر وفقا لتقديرات المالية العامة عند مستوى 441 مليار ريال، أي ما تبلغ نسبته 37 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، ويفترض أن يتواصل العمل على زيادتها وتعزيز مستوياتها خلال الأعوام المقبلة، وصولا إلى مستواها المستهدف عند 1.0 تريليون ريال بحلول نهاية 2030.
تأتي تقديرات الميزانية العامة للدولة خلال 2024 - 2026 وسط مخاطر وتحديات يواجهها الاقتصاد العالمي، بدأت من مواجهة الضغوط التضخمية خلال الأعوام الماضية، وما صاحبها من سياسات اقتصادية ونقدية متشددة لمواجهة التضخم، إضافة إلى التطورات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الدولي الناتج عن اشتعال عديد من الصراعات في أكثر من منطقة في العالم، كان من أول وأبرز آثارها تصاعد الاضطرابات في الأسواق العالمية للطاقة والغذاء، ولا تزال الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي يشوبها كثير من الضبابية، واتسامها بالتباطؤ والتحرك عند مستويات متدنية تاريخيا، على الرغم من التقدم الملموس إيجابيا للسياسات النقدية المتشددة طوال الأشهر الماضية، وتراجع التضخم عن مستوياته القياسية التي وصل إليها في منتصف 2022. فوفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي التي أشارت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في الأجل المتوسط بمعدل لا يتجاوز 2.9 في المائة خلال العام المقبل، وهو المعدل الأقل من متوسط النمو العالمي خلال العقد الأخير لما قبل الجائحة العالمية (2000 - 2019) البالغ 3.8 في المائة، وتحت توقعات ارتفاع احتمالات حدوث المخاطر المحيطة بالاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة، التي تتوقع مستويات ضعيفة جدا من النمو لمنطقة اليورو، وأن تنعكس مواجهة الاقتصاد الصيني لتداعيات أزمته العقارية بمزيد من الضعف على أدائه، وأن تمتد آثارها العكسية إلى الاقتصاد العالمي، وقد عدها بيان الميزانية العامة الأخير واحدة من أهم المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي، وتحديدا مع الشركاء التجاريين للصين والمصدرين للسلع الأساسية.
لا بد من التأكيد على أن نتائج القراءة التحليلية لما تضمنته الميزانية العامة للدولة في الأجل المتوسط 2024 - 2026، وأن تكون في إطار التوقعات المرتبطة بالاقتصاد العالمي، سيأتي بفهم أوسع وأدق بدرجة كبيرة، وأنها تستهدف كفاءة أعلى في التعامل مع التحديات والمخاطر المحتملة المحيطة بأداء أغلبية الاقتصادات حول العالم، والتركيز بدرجة أكبر على الأوضاع الاقتصادية والمالية غير المواتية التي يواجهها الشركاء التجاريون الأكبر مع الاقتصاد الوطني، وهو تحديدا ما تضمنه التحليل المفصل الوارد في نهاية بيان الميزانية بعنوان أبرز المخاطر والتحديات المالية والاقتصادية للعام المقبل وفي الأجل المتوسط، تم التأكيد فيه على محدودية تأثير تلك التطورات الخارجية في الاقتصاد المحلي، وذلك نتيجة للمبادرات والإصلاحات الهيكلية التي انتهجتها المملكة منذ انطلاق رؤية 2030 حتى تاريخه، أسهمت بدرجة كبيرة في بناء قاعدة اقتصادية متنوعة، وعززت من نمو الإيرادات غير النفطية، إضافة إلى ما تم اتخاذه من إجراءات استباقية واسعة، أسهمت -بحمد الله- في الحد من تداعيات تلك المخاطر على الاقتصاد المحلي، بدءا من وضع أسقف على أسعار بعض المشتقات البترولية (البنزين)، وتعزيز كل من الأمن الغذائي ومنظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، المتمثلة في الدعم الإضافي لمستفيدي الضمان الاجتماعي وبرنامج حساب المواطن، إضافة إلى الدعم المستمر للسلع والخدمات الأساسية، والعمل بسياسات مالية توسعية، تستهدف التقدم في تنفيذ المشاريع التنموية، وما ستسهم به بدورها في تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز نمو القطاع غير النفطي، الذي يؤمل -بمشيئة الله تعالى- أن يحد من احتمالية وآثار المخاطر المرتبطة بتراجع الطلب المحلي.
نقلا عن الاقتصادية
هل بالامكان ربط مدى فاعلية حزم تحفيز الاقتصاد مع مؤشرات السيولة في الاقتصاد بشكل عام مثل money multiplier و money velocity والتي تقيس على التوالي النقد المتولد من استخدام احتياطات النقد من خلال الاقراض مثلا او استخدام احد ادوات السياسة النقدية conduct market operations و معدل دوران السيولة النقدية في الاقتصاد الكلي وذلك من خلال البيانات التي تصدر من البنك المركزي؟ أتمنى أن نجد اجابة شافية من أصحاب الخبرة