رغم أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعيش حالة من ضبابية الأداء بسبب ما يوجهه من العديد من التحديات والصعوبات منذ خروجه من نفق جائحة فيروس كورونا المستجد، إلا أن تداعيات الجائحة لا تزال تلقي بظلالها على مشهد الاقتصاد العالمي، وما ضاعف من تأثير تداعيات الجائحة منذ انقشاع غمتها، ما يعيشه العالم بأسره هذه الأيام من تحديات وانقسامات سياسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والاعتداء الإسرائيلي الغاشم على غزة والنزاع الداخلي السوداني على السلطة وغيرها من النزاعات السياسية العالمية الأخرى هنا وهناك على مستوى العالم، والتي ضاعفت وللأسف الشديد من حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، سيما وأن الاقتصاد العالمي يشهد معدلات تضخم مرتفعة بلغت 8.7 % في عام 2022 وفقاً لصندوق النقد الدولي، وتوقعه بأن تصل إلى 6.9 و 5.8 % في عامي 2023 و2024 على التوالي.
ووفقاً لصندوق الدولي وبسبب تلك العوامل مجتمعة، توقع الصندوق أن يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤاً في الأداء ليتراجع النمو من 3.5 % في عام 2022 إلى 3 و2.9 % في عام 2023 و2024 على التوالي، رغم هذه الضبابية المتوقعة في أداء الاقتصاد العالمي، إلا أن الاقتصاد السعودي والمالية العامة لدولة ظلا متماسكين في الأداء، حيث نما الاقتصاد الوطني بنسبة 8.7 % في عام 2022 ويتوقع أن يستمر النمو بمعدل إيجابي (الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي) للاقتصاد بمعدل متوسط يبلغ 3.8 % في المتوسط خلال الفترة 2023-2026، كما يتوقع أن تصل قيمة الناتج المحلي خلال نفس الفترة 4,416 مليار ريال في المتوسط، ومن بين المؤشرات المالية التي تأكد على متانة الاقتصاد السعودي والمالية العامة للدولة، النمو المتوقع للأنشطة غير النفطية خلال العام المالي الحالي بنسبة 6 % في المتوسط، إضافة إلى المحافظة على معدلات تضخم معقولة ومقبولة جداً خلال الفترة 2023-2026 بمتوسط يبلغ 2.2 %.
وعلى صعيد التطورات المالية للعام المالي الحالي، يتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات لعام 2023 حوالي 1,193 مليار ريال، بارتفاع تبلغ نسبته نحو 5.6 % مقارنة بالميزانية المعتمدة، وبانخفاض تبلغ نسبته نحو 5.9 % مقارنة بعام 2022، وعلى جانب الإنفاق للعام الحالي، يتوقع أن يبلغ إجمالي حجم الإنفاق 1,275 مليار ريال، بارتفاع تبلغ نسبته 14.5 % مقارنة بالميزانية المعتمدة، وبارتفاع تبلغ نسبته 9.5 % مقارنة بعام 2022، وتشير التقديرات أن يبلغ إجمالي الإيرادات للعام المالي 2024 حوالي 1,172 مليار ريال في حين قدرت النفقات بحوالي 1,251 مليار ريال، وتحقيق عجز مالي يبلغ نحو 79 مليار ريال، ما يعادل نسبته 1.9 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يبلغ حجم الدين العام في عام 2024 حوالي 1,103 مليارات ريال، ما يعادل 25.95 من الناتج المحلي الإجمالي، وتهدف الميزانية العامة للدولة للعام 2024 إلى تعزيز المركز المالي للحكومة بالحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية والعمل على الموازنة بين الحفاظ على استدامة المالية العامة للدولة وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، بالإضافة إلى التأكد من ألا تُشكل الإنفاق التوسعي في حدوث ضغوط تضخمية.
أخيراً وليس آخراً، تسعى الميزانية العامة للدولة للعام 2024 تحييد تأثيرات المخاطر المالية والاقتصادية العالمية المحتملة في عام 2024 وعلى المدى المتوسط، مثل استمرار التباطؤ النمو الاقتصادي، وتزايد حالة عدم اليقين في ظل استمرار التطورات الجيوسياسية، ملخص القول؛ إن الميزانية العامة للدولة، بما في ذلك الاقتصاد السعودي لا يزالان متماسكين، بل وصامدين تجاه التحديات الاقتصادية العالمية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الضغوط التضخمية وتذبذب أسعار النفط العالمية (انخفض متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية العام 2023 وحتى نهاية شهر سبتمبر بنسبة 19.8 % ليسجل حوالي 82.1 دولاراً للبرميل مقابل 102.4 دولار للبرميل خلال الفترة ذاتها من العام السابق) والاضطرابات السياسية العالمية، حيث لا يزال معدل التضخم في المملكة معقولاً بحدود 2.5 % حتى شهر أكتوبر من العام الحالي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.5 %، ونمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 5.4 %، ونمو الاستثمار الخاص بنسبة 13.2 % وذلك خلال النصف الأول من العام 2023، وانخفاض معدل البطالة للسعوديين للربع الثاني من ذات العام إلى 8.3 %.
نقلا عن الرياض