الإعلام الاقتصادي: تحيزات معرفية وتحديات عملية

20/11/2023 1
د. تهاني عبد الرزاق الباحسين

يُعد الإعلام الاقتصادي شكل من أشكال الإعلام المتخصص الذي يقع ضمن منظومة الإعلام التنموي، الذي يدعم الوصول لقرارات اقتصادية واستثمارية رشيدة على مستوى الفرد والاسرة والمجتمع. لذا يقع عليه مسؤولية تقديم المعلومات والمضامين الاقتصادية بشفافية وتحليلها وتفسيرها للجماهير بهدف رفع مستوى معارفهم المالية وتوعيتهم بالأحداث والموضوعات السائدة وارشادهم في هذه الجوانب التي تمس حياتهم، ولأهمية الإعلام الاقتصادي ينبغي أن يقدمه كتاب متخصصون تتشكل من مزيج من اقتصاديين لديهم خبرة إعلامية جيدة واعلاميين لديهم معرفة اقتصادية كافية مع التزام الجميع بقيم ومعايير مهنية متفق عليها. ان ما تقوم به المؤسسات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي سواء أكانت مسموعة، او مكتوبة، او مرئية، هو من اجل ربط التحولات والقضايا الاقتصادية الراهنة في المجتمع وعلاقتها بسابقتها مع أضافة الرؤية التحليلية التي تتيح فرصة استشراف المستقبل وقراءته قراءة واعية والعمل من أجلها.

تجدر الإشارة الى أن المنظومة التي يعمل من خلالها الإعلام الاقتصادي لا يعمل بها بمفردة، بل من خلال الرجوع الى المفاهيم العلمية المشتركة مع تخصصات أخرى سواءً من علم النفس أو الاجتماع، والاستفادة منها بما يسهم في تقديم المعلومة بالشكل الصحيح الذي يطمح له المتخصصون في هذا المجال، ان مجموع جهود ونشاطات المؤسسات الإعلامية التي تقوم بها هو من اجل تقديم معارف منطقية بعيدة عما يمكن تسميته بالتحيزات المعرفية Cognitive Bias، والتي هي عبارة عن "ميول من التفكير الى الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى انحرافات منهجية في مستوى العقلانية أو الحكم الجيد". وهنا يكمن دور الإعلام الاقتصادي في معرفة مواطن التحيزات المعرفية والتعامل معها باحترافية بما يضمن وصول المعلومة الاقتصادية الصحيحة للجمهور، خصوصاً وان المعلومات الموجهة لهذا الجمهور، تؤدي الى استنتاجات مختلفة عن نفس المعلومات وذلك بناءً على الطريقة التي تقدم لهم.

فتقديم المعلومة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قد يختلف تفسيرها وفهمها من شخص لأخر بحسب الوسيلة، كما أن المتغيرات الخاصة بالفرد المتلقي مثل العمر، والحالة الاقتصادية تلعب دور إضافي في خلق او تأكيد حالة التحيز المعرفي. لقد أثبتت بعض الدراسات أن التأطير هو واحد من أقوى التحيزات والمؤثرات في صنع القرار الاقتصادي (وغيره) لدى الأفراد، لذلك فان على العاملين في المؤسسات الإعلامية والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تحمل مسؤوليتهم بضرورة الانتباه والعمل بموضوعية في نشر الثقافة الاقتصادية في المجتمع بمختلف فئاته، ان اهمية كشف اطر التحيز او على الأقل الانتباه لها لما قد تحتويه من رسائل اقتصادية، قد لا يلتفت لها الممارس الاعلامي العادي، ومن هنا تتأكد أهمية الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي، والذي من المفترض ان يراعي بعض المحددات المهمة عند تقديم المعلومات الاقتصادية للعامة مقارنة بالمتخصصين. هذه المحددات تشمل اللغة البسيطة، والابتكار في التوضيح، والتفسير، والمهنية العالية في تقديم المعلومة، واستخدام الإحصاءات الموثوقة ومقارنتها، والشمولية في تغطية الأحداث والازمات، وتحويل الإحصائيات الاقتصادية إلى موضوعات صحفية جذابة، وبالرغم مما تبدو عليها هذه المحددات الجوهرية انها بسيطة، وسهل تطبيقها، لكن الواقع يشير الى ان هناك العديد من التحديات العملية التي تواجه الإعلام الاقتصادي ينبغي التعامل معها بجدية ومعالجتها، ومنها:

1. افتقار الإعلام الاقتصادي بشكل عام إلى مفهوم السياق في معالجته للقضايا والأحداث.

2. الافتقار إلى وجود منظومة إعلامية تنموية متكاملة قادرة على الاستجابة السريعة لمتطلبات الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

3. افتقار أغلب القنوات الاقتصادية إلى الخطط الإعلامية خاصة عند الأزمات ذات الابعاد الاقتصادية.

4. ضعف الأداء المهني ونقص الكوادر المؤهلة في مجال الإعلام الاقتصادي.

5. النقص الكبير في الدورات التدريبية المناسبة والتأهيل المستمر.

6. لا يرى الإعلام الاقتصادي في الغالب الأعم الجماهير التي يزعم أنه يستهدفها.

7. ندرة المعلومات الجيدة وغياب الشفافية والقصور المهني في مجال الإعلام الاقتصادي.

8. تغييب او تقليل الأخبار الاقتصادية بالذات عن المشهد العام للإعلام.

9. افتقار القدرة الإعلامية بشكل عام على تحليل الرقم الاقتصادي وقراءة دلالاته الاجتماعية.

10. غياب المتخصصين في الاقتصاد عن غرف التحرير وصناعة المحتوى في أغلب المؤسسات الإعلامية.

ختاماً، في ظل ما تمر به المملكة العربية السعودية من تحولات اقتصادية واسعة تحت رؤية السعودية 2030 ومستهدفاتها التنموية المختلفة يجدر بنا التأكيد على ضرورة خلق كوادر وطنية في مجال الإعلام الاقتصادي يتم تأهيلهم في مؤسسات تدريبه متخصصة تمكنهم من تقديم المعلومة الاقتصادية لكل فئات المجتمع بطريقة موضوعية وبما يخدم هذا المشروع الكبير محلياً ودولياً.

المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد ربيع أول 1445 / سبتمبر 2023م.

 

 

 

خاص_الفابيتا