عندما تشرع أي دولة في صياغة مزيج الطاقة الوطني الأمثل الخاص بها فإنها تبدأ غالبا بتعريف محدداتٍ يُبنى على أساسها مزيج الطاقة المستهدف. ومن المهم معرفة أن هذه المحددات تختلف من دولة لأخرى، ومن شركة استشارية لأخرى، ومن منظمة عالمية لأخرى، بل ومن منطقة جغرافية لأخرى، ولكنها عادة تجتمع على ضرورة أن يكون المزيج مجديا اقتصاديا، وموفرا لأمن الطاقة (أو أمن إمدادات الطاقة)، ومحافظا على البيئة من أجل التنمية المستدامة. وهناك محدداتٌ أخرى ذات أهمية، منها محددات هيكلية مثل كفاءة منظومة البنية الأساسية، وحداثة واستقرار البنية التشريعية، وسياسات التسعير، ومنها تفاعلية مثل تغيير هيكل إنتاج الطاقة ونمط الاستهلاك، ولعل مزيج الطاقة الأمثل الذي يستهدفه الجميع هو الذي يجمع بين المصادر التي تؤمن الطلب على الطاقة بشكل مجدٍ اقتصاديا، بالتوازن بين الموارد المتاحة، وبين الاستدامة البيئية. وتُستخدم في ذلك نماذج رياضية مطورة سابقا، مثل نموذج 1Low Emissions Analysis Platform (LEAP) ، أو نماذج رياضية تطورها الشركات الاستشارية (أو المستشارون) للمؤسسة التي تقود مهمة صياغة المزيج. ومع أهمية اختيار النموذج الرياضي المناسب لصياغة مزيج الطاقة، إلا أن النتيجة النهائية للمزيج المقترح تعتمد بشكل كلّي تقريبا على المحددات المشار إليها أعلاه.
ومن المهم جدا معرفة الطريقة السائدة في تطوير المزيج، فنجد أن فريق العمل القائم على تطوير المزيج يكون غالبا من شركات استشارية، تعتمد في صياغة النموذج الرياضي لمزيج الطاقة على افتراضات ومُدخلات ومحددات معرّفة مسبقا، تكون مبنية على مقارنات معيارية (Benchmarks). إن هذه المحددات التي يقع عليها الاختيار بناء على المقارنات المعيارية لا تناسب كل اقتصاد وكل دولة، وبالتالي لا تلبي احتياجات التنمية في مختلف أطوار النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبشري.
لعل من أهم الأسئلة التي يجب طرحها اليوم:
أولا، هل الاستثمار في صناعة الطاقة المتجددة هو الاستثمار الأمثل لكل دولة، لاسيما تلك الغنية بمصادر أخرى، كالنفط والغاز، أم في إيجاد حل اقتصادي لمشكلة انبعاث ثاني أكسيد الكربون من مصادر الطاقة؟ وما الذي سيحدث لصناعة النفط والغاز في العالم إذا طُوّرت حلول مبتكرة ومجدية اقتصاديا لإيجاد طلب على ثاني أكسيد الكربون؟ لا شك أنه إذا تحقق هذا السيناريو فسيكون استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء ولتحلية المياه وللصناعة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة مُمَكّنا للتنمية الاقتصادية ومحافظا على الاستدامة البيئية، مثله في ذلك مثل الطاقة المتجددة، أو أفضل منها.
وثانيا، هل القيمة المضافة – اقتصاديا – من استهلاك الطاقة في القطاع الصناعي أعلى من مثيلاتها في القطاعين التجاري والسكني، أم مثلهما، أم أقل منهما؟ من المؤكد أنه إذا كان مزيج الطاقة المستهدف لا يأخذ في الاعتبار توزيع مصادر الطاقة المتاحة على القطاعات المستهلِكة بناء على القيمة المضافة اقتصاديا، فإن هذا المزيج سيوفر الطاقة التي تحتاجها القطاعات المختلفة، ولكنه قد يتسبب في هدر اقتصادي غير مبرر.
إن الهدف من هذه السلسلة من المقالات طرح أسئلة جوهرية حول هيكلية قطاع الطاقة – أي قطاع للطاقة – والخيارات الممكنة والمتاحة، بالأخذ في الاعتبار ما يتميز به قطاع الطاقة وما يختلف فيه عن غيره، ثم اقتراح عدد من الأمثلة التي تجمع بين عناصر الاقتصاد والطاقة والبيئة الملائمة للقطاع المستهدف بشكل تكاملي. ولعل أقصى طموحنا هو في أن تساعد الأفكار المطروحة في المساهمة في صياغة المزيج الأمثل اقتصاديا للطاقة.
وستغطي المقالات المقبلة عناصر مزيج الطاقة التالية:
- استدامة الطلب على النفط
- تحديات الحمل الذروي في المملكة: حلول مقترحة
- الحِمل الذروي وخيارات التوليد
- الطائرة النفاثة والمفاعل النووي
- العوامل الاقتصادية المؤثرة في مزيج الطاقة: العامل المنسي
- الهيدروجين أم ثاني أكسيد الكربون
وأسأل الله أن يكون فيما سأطرحه فائدة، وأن يلهمني الصواب في القول والعمل.
خاص_الفابيتا
استهلاك الطاقة ، انتاج الطاقة ....ماهذا !!!!!!...." الطاقة لاتفني ولاتستحدث ولا تخلق من العدم" ....مبدأ حفظ الطاقة معروف ويدرس لابناء المتوسطة الصغار ......الصواب هو : توليد الكهرباء ...استهلاك الكهرباء ......الخ
أخي الكريم/شاري رأسكَ: أتفقُ مع قولك حول نبدأ حفظ الطاقة... مصطلح الطاقة أشمل وأعم من مصطلح الكهرباء حيث يشمل جميع أنواع الطاقة الأولية (ومنها الفحم والبترول والغاز والبنزين والديزل واليورانيوم) والطاقة الثانوية وأهم أنواعها للفئة الثانية هي الكهرباء... ولتعدد أنواع الطاقة مع تعدد مقادير قياسها (الطن والبرميل والمتر المكعب والكيلووات\ساعة) يتم إستخدام وحدة قياس موحدة بناءً على كمية المحتوى الحراري لكل نوع وتسمى (برميل مكافىء) وهو يختلف عن برميل البترول المتعارف عليه... وبناءً على ما تقدم، فمصطلح الطاقة هو الأدق للحديث عن مزيج الطاقة الإجمالي!!!... والسلام.
تفضّل الكريم مخاوي الذيب بالتوضيح، فشكرا له، ولكم
يعطيك العافية دكتور
حياكم الله
شكراً جزيلا يا دكتور على هذا المقال الدسم وما سيليه من مقالات مستقبلية... ولي بعض الملاحظات: 1) إقتصادياً، أي تكلفة مستقبلية أقل من 1.8 سنت لكل وحدة كهربائية ستكون منافساً قوياً لمثيلتها المنتجة من الوقود الأحفوري...2) إقتصادياً، قد يكون من غير المفيد الإلتزام بهدف 50% للطاقات المتجددة من إجمالي مزيج الطاقة لإنتاج الكهرب حتى يمكن الإستفادة الأكثر من الفوائد الإقتصادية لأليات تنمية الطاقة النظيفة...3) فنياً وحيث أن الطاقات الشمسية والرياح كعوامل طبيعية لا يمكن التحكم في كمية إنتاجها وإرتفاع تكلفة تخزينها مع عدم التيقن بإتجاهات خفضها، فالغالب أن العاملين في مراكز التحكم الكهربائية لدى شركات الكهرب لا يرغبون تحديد نسب عالية لتلك الطاقات المتجددة التي قد تقلل من قدراتهم في حفظ أمن وأمان الإمدادات الكهربائية وإستقرارها... 4) وحيث أن أجواء المملكة تكثر فيها عواصف الغبار (العج)، يجب التحوط أكثر في تكاليف صيانة المشاريع الشمسية كزيادة نسبة الخلايا الإحتياطية في الألواح الشمسية (مثلاً أكثر من 2%) أو رفع تكلفة فرضية التشغيل والصيانة المستخدمة في الأجواء الأقل غياراً (مثل أوريا وأمريكا وبعض بلدان أسيا) التي تكثر فيها الأمطار التي تغسل الهواء وتنقيته من العوالق الملوثة... وبدون طرق التحوط، ستقلُ كفاءة المشاريع وإنتاجها على مر السنين !!!... وأقف هنا وأسف على الإطالة... والسلام.
شكرا لكم جزيلا على التعليق الضافي والمفيد