لا تبتعد المعضلة التي تواجهها أسواق الإسكان حول العالم، ومنها سوق الإسكان المحلية عما ذكره "أندرو ويشارت" من كابيتال إيكونوميكس، حينما قال: قبل عامين بمعدل فائدة رهن عقاري يبلغ 1.3 في المائة، ترجم السداد الشهري البالغ ألف جنيه إسترليني إلى رهن عقاري بقيمة 298 ألف جنيه إسترليني، وتحت معدل الفائدة على الرهن العقاري يبلغ 5.5 في المائة، فإن دفعة السداد نفسها تعطيك رهنا عقاريا بقيمة لن تتجاوز 176 ألف جنيه إسترليني فقط "أي بنسبة انخفاض في حجم التمويل المتحصل عليه تصل إلى 41 في المائة". وأكمل قائلا: إلى أن تنخفض أسعار المساكن، أو أسعار فائدة الرهن العقاري، انخفاضا كبيرا، أو أن يرتفع مستوى الدخل، فإن القدرة على تحمل تكاليف السداد هي القيد الخانق في السوق!
بهذا المثال المبسط جدا، يمكن باختصار شديد فهم المعضلة التي تعانيها أسواق الإسكان حول العالم في الوقت الراهن، بالتزامن مع الارتفاع المطرد الذي شهدته معدلات الفائدة "الرهن العقاري"، وتزداد وطأتها مع استمرار ذلك الارتفاع في الفائدة لفترة أطول قد تمتد إلى أعوام عدة، مع التأكيد على أنها حتى لو عادت للانخفاض مجددا بعد عامين على أقل تقدير، فقد لا تعود إلى المستويات الصفرية التي كانت عليها إبان الفترة 2009 ـ 2021، وأن تستقر ضمن نطاقات تبدأ من 3.0 في المائة كحد أدنى إلى 4.0 في المائة كحد أعلى، وهي نطاقات أدنى من معدلات الفائدة للفترة الراهنة، إلا أنها أيضا نطاقات أعلى مما كانت عليه سابقا قبل بدء البنوك المركزية بقيادة "الاحتياطي الفيدرالي" بإجراءات رفع معدل الفائدة مع نهاية الربع الأول من 2022 وما زالت مستمرة حتى تاريخه.
انطلاقا من عبارة "أندرو ويشارت" للتكيف مع الواقع الراهن لأسواق الإسكان، وللخروج من المأزق الذي تواجهه، فإن أمامها ثلاثة طرق للخروج: الطريق الأول، انخفاض أسعار المساكن. الثاني، انخفاض معدل فائدة الرهن العقاري. الثالث، ارتفاع مستوى الدخل. وجميع تلك الطرق تجتمع حول "القدرة على تحمل تكاليف السداد"، وهو المحك الرئيس لتوازن واستقرار أي سوق مهما كانت، وليس لسوق الإسكان فحسب، وهو أيضا المعيار الذي يجب ألا يغيب عن محددات اتجاه السوق في أي اقتصاد من الاقتصادات، وفي غيابه ستختل بكل تأكيد تقييمات جميع الأطراف المعنية في السوق، فهو معيار يفرض نفسه وحضوره بكل قوة، ولا يمكن لأي طرف من الأطراف أن يتجاهله بأي حال من الأحوال.
وبأخذ الطريق الأول على افتراض عدم إمكانية خفض معدل الفائدة في الأجل المنظور، وافتراض صعوبة رفع مستوى الدخل بالنسبة إلى الأفراد، فإن طريق انخفاض الأسعار سيكون الخيار الأصعب أمام ملاك المساكن والمطورين بكل تأكيد. والسؤال هنا: ما النسبة التقديرية لانخفاض الأسعار مع كل ارتفاع لمعدل الفائدة؟ تتضمن الإجابة المبسطة عن هذا السؤال، أن ارتفاع الفائدة من 1.0 إلى 2.0 في المائة "مع ثبات بقية المتغيرات" يعني انخفاض الأسعار بنحو 17 في المائة، وارتفاعها إلى 3.0 في المائة يعني انخفاض الأسعار بنحو 29 في المائة، وارتفاعها إلى 4.0 في المائة يعني انخفاض الأسعار بنحو 38 في المائة، وارتفاعها إلى 5.0 في المائة يعني انخفاض الأسعار بنحو 45 في المائة، وأخيرا ارتفاعها إلى 6.0 المائة يعني انخفاض الأسعار بنحو 50 في المائة، وهكذا مع كل ارتفاع لمعدل الفائدة، فالنتيجة مع ثبات بقية المتغيرات تعني مزيدا من انخفاض الأسعار، وهو الأمر المرهون بالقدرة الشرائية للمستهلك وفق مستوى دخله الشهري، وارتباطها بما سيتحصل عليه من تمويل وفق معدلات الفائدة السائدة.
الطريق الثاني، انخفاض معدل فائدة الرهن العقاري، وهو الأمر المستبعد حدوثه في الأجل المتوسط خلال الفترة الراهنة، وهو أيضا الأمر المرتبط بمسارها بعد تلك الفترة، وأنها تحت مسار عودتها للانخفاض فلن تكون بالمستويات الصفرية ذاتها التي كانت عليها قبل مطلع 2022، ما يشير بدوره إلى أنها قد تبقى ضمن مستويات غير محفزة لأسواق الإسكان في الأجل الطويل، ويعني ذلك استمرار الضغوط على الأسواق، لكن ليس بالوتيرة نفسها العالية جدا التي تعانيها خلال الفترة الراهنة.
الطريق الثالث، ارتفاع مستوى الدخل، الذي يشكل أعلى الخيارات الثلاثة أعلاه تكلفة مقارنة، عدا أن تحققه سيعني مزيدا من ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل التضخم، وهو الأمر الذي تعكف البنوك المركزية عموما على محاربته بكل أدواتها المتاحة، ورغم كل ذلك، فلا بد من معرفة وفحص ماذا يقتضيه من زيادة في الدخل مع كل زيادة في معدلات الفائدة، مع افتراض ثبات الأسعار، وأنها لن ترتفع أكثر وهو الأمر المستبعد بالتأكيد! حيث يشير هذا المسار إلى أن ارتفاع الفائدة من 1.0 إلى 2.0 في المائة يقتضي زيادة الدخل 20 في المائة، ويقتضي زيادته 40 في المائة بزيادة الفائدة إلى 3.0 في المائة، وزيادته 60 في المائة بزيادة الفائدة إلى 4.0 في المائة، وزيادته 80 في المائة بزيادة الفائدة إلى 5.0 في المائة، وزيادته 100 في المائة بزيادة الفائدة إلى 6.0 في المائة، وهكذا تستمر الزيادة في الدخل مع كل زيادة أخرى في معدل الفائدة! وبمجرد النظر إلى تفاصيل هذا الخيار، فإن الجميع سيتفق على استحالة تحقيقه وترجمته على أرض الواقع، عدا ما سيترتب عليه من تكاليف باهظة جدا على كاهل الحكومات والشركات والاقتصاد على حد سواء، ليس ارتفاع معدل التضخم وتهالك العملة المحلية إلا إحدى نتائجها الكارثية.
مما تقدم ذكره أعلاه، يعد الطريق أو الخيار الأول هو أدنى الخيارات تكلفة، وأقلها مخاطرة، وهو أيضا الخيار الذي يقترب كثيرا من لغة قوى السوق "العرض والطلب"، والممكن تحققه في الأجلين المتوسط والطويل بما لا يخلف وراءه آثارا عكسية على النمو الاقتصادي، كالتي قد يخلفها الخيار الثالث أعلاه، مع افتراض عدم إمكانية تحقيق الخيار الثاني في الفترة الراهنة، وعدم إمكانية عودته إلى عهدها "الصفري" الذي عايشته خلال الفترة 2009 ـ 2021.
جديرا بالذكر في الختام، أن هذا المسار هو ما بدأت أسواق الإسكان حول العالم بالخضوع له، وفق بيانات بنك التسويات الدولية BIS، ويتوقع استمراره طوال العقد المقبل على أقل تقدير تحت ثبات العوامل الرئيسة الراهنة "معدل فائدة مرتفع، مستوى/متوسط دخل المستهلك الراهن".
نقلا عن الاقتصادية
شكرا استاذ عبدالحميد على هذا المقال الممتاز والمليء بالمعلومات والاحصاءات ........هناك خيار رابع وهو الذي اراه دائما يتحقق لدينا على الاقل ...وهو انخفاض معايير السكن و استمرار انخفاض حجم العائلة !!.......يعني كل ما يرتفع العقار ينخفض طموح المشتري ....فمن كان يطمع في الثمانينات بفيلا 700 متر انخفض طموحه بعدها بعقد إلى فيلا 400 ميلا وبعد عام 2000 اصبح دبلكس 250 متر والان شقة 200 متر وعام 2030 شقة 100 متر وعام 2040 شقة 60 متر ...وطبعا يرافق ذلك تغييرات على مستوى حجم العائلة فمن كان يعول عشرة في السبعينات بعدها بعقد نزلهم إلى ستة ومن ثم 4 والان السائد 3 مع تاخر سن الزواج .........( الا ترى يا شيخ عبدالحميد ان هذا مايحدث فعلا ومرشح للترند ان يستمر -سواء على صعيد حجم المنزل او حجم العائلة ).............تحياتي
ايضا ياشيخ عبدالحميد ....لما نقارن اسعار الاراضي بمعيار الذهب فهي لا تزيد ابدا انما تحافظ على قيمتها ....يعني خذ عندك عام 2000 ...كان متوسط سعر الارض في شمال الرياض كان تقريبا 650 ريال وكان المعروض النقدي M2 حسب احصائيات المركزي كان 300 مليار ريال وكان سعر اونصة الذهب 270 دولار . ....اما الان وبعد اكثر من عشرين سنة ارتفع سعر متر الارض في الشمال إلى خمسة الاف ريال ( 8 اضعاف ) , لكن لما تشوف المعروض النقدي - في نفس الفترة - ايضا ارتفع من 300 إلى 2500 ( 8 اضعاف ) و الاهم ايضا اونصة الذهب - في نفس فترة الدراسة والمقارنة -ارتفعت من 270 دولار إلى 2000 دولار ( 8 اضعاف ) .....فعند الامعان بالتفكير نرى ان الاصل العقاري ارتفع بالاسعار الجارية فقط لكنه بالاسعار الحقيقية لم يرتفع ابدا - وهذا اثبات لقضية اخرى بان قياس النقد والبنكنوت على الذهب قياس فاسد وان من قال بان النقد ياخذ حكم الذهب شرعا لا يعرف ماهو النقد الحديث .............ارجو ان تكون فكرتي واضحة ........تحياتي لجهدك التنويري
الخيار الرابع عوده الصندوق العقاري بنظام الاقراض بدون فائده مع تطوير الأراضي الخام والمنحة وذالك بأنشاء البنية التحتية و الفوقية وتوزيعها على المستحقين بسعر التكلفة
ولا واحد من الحلول حيحصل ,, لازم أزمة (جدار) يصطدم بها الجميع.
الخيار. الرابع. هو فرض رسوم على جميع الاراضي البيضاء. بغض النظر عن مساحتها وخاصة في المدن الكبرى. صدقني رايح يصير نشاط عمراني غير مسبوق. لان العائق ليس من المطورين واا من الطلب. بل. من اسعار الاراضي.