المقصود ما تضعه الدول من تعليمات وضوابط واشتراطات لعمل أي نشاط من الأنشطة، من تجارية وغيرها. والتنظيمات بالغة الأهمية، حيث لا تستقيم حياة الناس دونها. لكنها ليست بلا ثمن على الاقتصاد بمختلف جوانبه من نمو ومنافسة وتوطين وتكاليف وأسعار وغيرها. ومن ثم، فإن جودة التنظيمات مطلب بالغ الأهمية. وقد رأينا حصول مشكلات كثيرة في دول كثيرة نتيجة وجود عيوب كبيرة في سياسات وتنظيمات. والتركيز في هذا المقال على التكاليف فالأسعار، التنظيمات في أي بلد في العالم مؤثرة بوضوح في إنتاج وتكاليف بيع، فأسعار السلع والخدمات من عقار وسكن وطعام وصحة ونشاط تجاري وغيرها من السلع والخدمات. إن العوامل المسببة للتضخم وارتفاع الأسعار بصورة مباشرة أو غير مباشرة كثيرة، ومنها التنظيمات الحكومية. كيف؟ لها تأثيرات تتسبب في زيادة التكاليف على المنتجين والبائعين. وطبعا يترتب على زيادة التكاليف زيادة الأسعار بصورة مباشرة وصورة غير مباشرة. ولكنها لازمة. دون التنظيمات قد تنخفض التكاليف فالأسعار شكلا، وليس حقيقة. لماذا؟ لأن الناس سيتضررون تضررا أشد وأقسى دون وجود التنظيمات.
المطلوب جودة التعديل في التنظيمات بما يسهم في خفض التكاليف فخفض الأسعار. وجودة التعديل يلزمها تحقق شرط جوهري، وهو النظر في طبيعة التنظيمات ومدى جودتها. وتحقيق الجودة لها متطلبات من مؤسسية وغير مؤسسية، في بلادنا، أشير إلى قرار حديث لمجلس الوزراء، القاضي بتأسيس المركز الوطني للتفتيش والرقابة. ورئيس مجلس إدارة هذا المركز وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد الحقيل. وصدر القرار في وقت واجهت فيه المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر مشكلة كبيرة في كثرة المخالفات وكثافة الغرامات وتنوعها وتعدد الجهات التي تفرضها، مقرونة بضبابية في التظلم، مشكلات أدت إلى تأسيس المركز، كيف تؤثر التنظيمات الحكومية؟ تؤثر في أنشطة الاقتصاد بصور مختلفة. كيف تظهر محاسنها؟ منع حوادث ومضار وأمراض، وتقليل أضرار بيئية وبشرية، وتحسين مستويات معيشية. لكن من المهم جدا الإشارة إلى أن حدود هذه المحاسن ليست قضية متفقا عليها، بل تقبل الأخذ والرد.
لكن لكل فعل رد فعل. والاقتصاد كالفيزياء لكل فعل رد فعل. ومعظم تكاليف التنظيمات وتأثيراتها على الأسعار غير مشاهدة بصورة مباشرة للناس. هي في الغالب لا تظهر في البيانات المحاسبية، طبيعة بعض التنظيمات الحكومية ومجال تطبيقها يتسبب في تفاوت في التطبيق. وتبعا، تنتج أنواعا مختلفة من التكاليف على المنتجين أو البائعين أو المستهلكين. وتفرض تنظيمات بعينها إنتاج أو بيع سلع "أينما وردت كلمة سلع فهي تشمل الخدمات"، والنتائج تختلف، حسب اختلاف الظروف. مثال ذلك تباع بعض السلع في الصيدليات وفي أسواق غيرها، لكن الصيدليات واقعة تحت ظروف تنظيم تشغيلي أشد. وتبعا، يقود ذلك إلى تكاليف أعلى لتوفير السلعة نفسها. لذا متوقع أن تكون الأسعار فيها أعلى لغالب السلع التي تباع أيضا في غير الصيدليات.
بصفة عامة، هناك ثلاثة جوانب مختلفة.
الجانب الأول، الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل نتيجة تطبيق تنظيمات.
الجانب الثاني، ما التنظيمات الأنسب للأنشطة من وجهة اقتصادية؟
الجانب الثالث الأخير، كيف ستكون التنظيمات لو جرى تغييرها؟
لوحظ في الجانب الأول أن التحليل الاقتصادي يبين نتائج أو آثارا للتنظيمات على التكاليف، فالأسعار ما كان حدوث بعضها على الأقل في الحسبان في البداية. ومن أمثلة ذلك التقدير الكمي لحجم الآثار غير المرغوب فيها عند منح بعض الإعانات أو الإعفاءات، أو عند عمل رقابة سعرية على بعض السلع أو الخدمات، أو عند فرض قيود على بعض الأنشطة الاقتصادية. لذلك، فإنه عند تقييم الأنظمة أو سنها، فإنه ينبغي عدم النظر فقط إلى جانب تحقيقها للعدل، لكن أيضا إلى مدى آثارها على الأهداف الأخرى كتحقيق النمو الاقتصادي، وتقليل العطالة.
الجانب الثاني مرتبط بالكفاءة الاقتصادية. هو مبني على فكرة أن أحد أهداف التنظيمات والقوانين تحقيق الكفاءة الاقتصادية. لكن قد تخفى بعض جوانب ودقائق هذه الكفاءة على واضعي التنظيمات. مشكلة أخرى هو أن هناك خلافات بين أفراد المجتمع في تقدير أهمية المنفعة المحققة. ومعرفة الكفاءة الاقتصادية بأفضل سبيل تساعد على تخفيف حدة هذه المشكلة، بحسن الاختيار عند وضع التنظيمات والقوانين.
الجانب الأخير وهو توقع ما ستكون عليه التنظيمات. التحليل الاقتصادي وغير الاقتصادي يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتعلم ما ينبغي أن يكون، أو محاولة لشرح ما هو كائن، وما يتوقع أن يكون.
نطمح أن يساعد وجود المركز الوطني للتفتيش والرقابة على تحسين بيئة الأعمال والأسعار والنمو الاقتصادي. من جهة أخرى، نطمح في تحقيق تنسيق قوي في أعمال التفتيش والرقابة بين الجهات الحكومية وتعزيز التعاون فيما بينها، ولهذا منافع كثيرة. منها خفض التوترات وسوء الفهم بين الأطراف، وخفض تكاليف التنظيمات والرقابة، وزيادة امتثال المنشآت للتنظيمات، دون زيادة في التكاليف فالأسعار.
تحقيق المركز الوطني للتفتيش والرقابة لأهدافه لا شك أنه سيسهم في الحد من ارتفاع الأسعار، ويسهم في نمو الناتج الإجمالي ويعزز من ترتيب المملكة في مؤشرات سهولة الأعمال، ويحسن من ترتيبها في مؤشرات مكافحة الفساد. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية