كيف يربح صانع السوق في الأسواق المالية؟

22/10/2023 7
د. فهد الحويماني

انطلق الصيف الماضي نشاط صناعة السوق في السوق المالية السعودية، حيث توجد حاليا ثلاثة صناع سوق يزاولون صناعة السوق في ثماني شركات مدرجة، بهدف توفير السيولة لعمليات التداول، من خلال آلية معينة تحددها الاتفاقية مع تداول السعودية. وصناع السوق موجودون في الأسواق المالية الدولية منذ عشرات الأعوام، فيما هناك أسواق تحتاج إلى خدمات صناع السوق أكثر من غيرها، مثل أسواق السندات والعقود المستقبلية، وفي جميع الأحوال الهدف الرئيس من مزاولة صناعة السوق بالنسبة إلى الجهات التي تقوم بذلك هو الخروج بربح مالي في نهاية المطاف، فكيف يمكنهم تحقيق ذلك؟ وهل هذا الربح يأتي على حساب المتداولين كافة؟، عمل صانع السوق معقد جدا، ورغم أن الهدف تحقيق أرباح من هذا النشاط إلا أن ذلك ليس مضمونا، بل تحدث هناك حالات يخسر فيها صناع السوق ويخرجون من السوق تماما، أو يحاولون العمل مع شركات أخرى بحثا عن سيولة مختلفة وديناميكية أسعار معينة ومنافسة أقل شراسة مما يحدث في بعض الأسهم. الظروف الطبيعية والبيئة المثالية لصانع السوق تتشكل عندما تكون حركة التداول مستقرة إلى حد كبير لكن بكميات كبيرة، أي بوجود صفقات كثيرة بأسعار معتدلة، مع غياب المنافسة من قبل صناع السوق الآخرين، وهذه ظروف صعبة المنال في كثير من الأحيان.

تجربة صناعة السوق في سوق الأسهم السعودية جديدة ولا يمكن الحكم عليها، لكن من الواضح أن هناك أنظمة ولوائح وإجراءات جيدة ومناسبة لانطلاق هذا النشاط، وسيتبين النجاح من عدمه مع مرور الوقت. النقطة المهمة هنا أن دور صانع السوق لن يمنع التذبذبات الحادة في الأسعار، فذلك ليس الهدف من إيجاد صانع السوق، ومع ذلك من الممكن أن تؤدي السيولة التي يوفرها صانع السوق من حسابه الخاص إلى التخفيف من حدة البيع أحيانا وتهدئة السوق في حال اندلاع الخوف والفزع لدى المتداولين، لاستيعاب دور صانع السوق ومعرفة كيفية تحقيقه الأرباح يمكن تشبيه صانع السوق بالتاجر الذي يشتري البضاعة بسعر معين ويبيعها بسعر أعلى فيأتي ربحه من الفارق بين السعرين، لكن كي يتمكن من تحقيق أرباح مجزية يتعين عليه رفع عدد الصفقات، وهذا ما يحدث في تجارة المواد الغذائية على سبيل المثال، حيث نسبة الربح قليلة والاعتماد يكون على قوة الحركة داخل المحل. فصانع السوق يشتري الأسهم بسعر الطلب، بينما المتداولون يشترونها بسعر العرض، وفي الوقت نفسه صانع السوق يبيع بسعر العرض، بينما الآخرون يبيعون بسعر الطلب. لذا يتحقق الربح لمصلحة صانع السوق كلما كان هناك استقرار في سعر السهم كي يتمكن حينها من الشراء الرخيص والبيع الغالي في جميع الأوقات.

عليك أن تتخيل كيف يتصرف صانع السوق في الظروف المعتادة التي تتحرك فيها الأسعار بسرعة، فبهذه الحالة قد يشتري بالرخيص لكنه لن يستطيع البيع بسعر أعلى لأن الأسعار مستمرة في النزول، لكن هنا تأتي أهمية إدارة النشاط بالنسبة إليه، التي تتطلب توافر سيولة كافية لديه ليتمكن من تجاوز تلك التحديات، ومن ثم عليه ممارسة عمليات تحوط لحماية نفسه من تلقي خسائر كبيرة، أولا، من حيث وجود سيولة كافية لدى صانع السوق فهو في الحقيقة لا يحتاج إلى سيولة كبيرة، وهو لا يرغب في المخاطرة بأموال كبيرة لأن ذلك ليس ضمن أهداف صناعة السوق، فصانع السوق ليس بمضارب ولا مستثمر وليس لديه مراهنة على اتجاه معين للسوق، تماما مثل التجار في الأنشطة التجارية الأخرى. لذا فهو يستمر في الشراء والبيع في آن واحد، حيث حتى إن مني بخسائر فلن تكون كبيرة، مرة أخرى لأنه يبيع ويشتري في النزول والصعود وجميع الأوقات.

الطريقة الأخرى التي يمارسها صانع السوق تكون بالتحوط بشراء عقود مستقبلية أو عقود خيارات أو حتى من خلال بيع وشراء أسهم أخرى ذات ارتباطات عكسية مناسبة. على سبيل المثال، يمكن في حال وجود سوق خيارات نشطة أن يقوم صانع السوق بشراء عقود calls للحماية من أسهم قام ببيعها على متداول بطريقة البيع على المكشوف، حيث يتم تعويض خسارة الأسهم التي باعها عن طريق الربح المتحقق من عقود الخيارات، حاليا الفائدة من وجود صانع سوق في السوق السعودية ليست كبيرة جدا، لكن مع مزاولة صناعة السوق مع الأسهم ذات السيولة القليلة ستتضح الفائدة بشكل أكبر، وستتضح كذلك في العقود المستقبلية السعودية، بسبب ضعف العروض في هذه السوق، ومستقبلا سيكون لصانع السوق دور مهم عندما يكون هناك أكثر من سوق لتداول الأسهم.

بالمناسبة، السوق الأمريكية تختلف في حجمها وهيكلها عن السوق السعودية، حاليا القيمة السوقية للأسهم الأمريكية نحو 47 تريليون دولار "نحو 40 في المائة من القيمة السوقية العالمية"، مقابل ثلاثة تريليونات دولار للسوق السعودية، ومتوسط حجم التداول اليومي نحو 570 مليار دولار في أمريكا مقابل أقل من ملياري دولار في السوق السعودية. ويوجد نحو 50 بورصة وشبكات تداول وعدد كبير من صناع السوق وموفري السيولة والوسطاء، وتتميز بورصة ناسداك بوجود ما لا يقل عادة عن ثلاثة صناع سوق لكل سهم، بينما سوق نيويورك تعتمد على صانع سوق واحد لكل سهم، لكن تختلف جودة عمل صناع السوق من سوق إلى أخرى، حسب طريقة كل سوق وشروط مزاولة النشاط ودقة وقوة الإشراف على التزام صناع السوق بعملهم.

بسبب كثرة البورصات والوسطاء في أمريكا، هناك حاجة إلى إيجاد ما يعرف بالسعر الوطني للعرض والطلب، والسبب أن الأنظمة هناك تلزم صناع السوق بتنفيذ أوامر العملاء بأسعار لا تقل في أفضليتها عن السعر الوطني، والهدف من ذلك منع صناع السوق من التلاعب بأسعار العرض والطلب لمصلحتهم. فمثلا قد تكون هناك أسعار شراء متفاوتة لأحد الأسهم في عدة بورصات، فيكون صانع السوق ملزما بتوجيه أمر العميل إلى البورصة التي لديها أقل سعر، وغير مسموح له البيع من حسابه الخاص إلا أن يكون البيع بسعر لا يقل في الأفضلية عن السعر الوطني. لذا الذي يحصل هو أن يقوم صانع السعر بتعديل سعره ولو بجزء بسيط من السنت الواحد ليكسب العملية، ومثل هذه الحالات لا تنطبق حاليا على السوق السعودية، نتيجة عدم وجود بورصات متعددة.

قد نعود لاحقا إلى عملية توجيه أوامر العملاء من قبل الوسطاء ودور ما يعرف بالدفع مقابل تدفق الأوامر، كون هناك تنافس كبير من قبل البورصات وصناع السوق للاستحواذ على أوامر العملاء، التي كما ذكرنا، أن عمل صانع السوق يعتمد على حجم العمليات، تماما كتاجر المواد الغذائية الذي يعتمد على حجم العمليات التي يقوم بتنفيذها بأرباح قليلة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية