أثارني تساؤل عن تشريعات توزيع الأرباح، وهو الأمر الذي دعاني لكتابة هذا المقال، ففي نظام الشركات الذي صدر عام 1385هـ نصت المادة الـ"8" على الآتي: "مع عدم الإخلال بأحكام المادتين الـ(106) والـ(205)، لا يجوز توزيع أنصبة على الشركاء إلا من صافي الربح، فإذا وزعت أرباح صورية على الشركاء جاز لدائني الشركة مطالبة كل شريك -ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها، ولا يلزم الشريك برد الأرباح الحقيقية التي قبضها ولو منيت الشركة بخسائر في الأعوام التالية" نصت المادة "106": "يجوز أن ينص في نظام الشركة على توزيع مبلغ ثابت على المساهمين لا يجاوز 5 في المائة من رأس المال، وذلك لمدة لا تزيد على خمسة أعوام من تاريخ تأسيس الشركة. وفي حالة عدم وجود أرباح صافية تكفي لدفع المبلغ المذكور يعد ما قبضه المساهمون من مصروفات تأسيس الشركة ويخصم من أول أرباح بالطريقة التي يعينها نظام الشركة"، ونصت المادة "205": "يوزع على الشركاء نسبة مئوية من الأرباح الصافية يحددها عقد الشركة أو نظامها بشرط ألا تزيد على 6 في المائة من رأس المال المدفوع. ويجوز أن ينص عقد الشركة أو نظامها على أنه في حالة عدم كفاية الأرباح الصافية لتوزيع النسبة المذكورة على الشركاء تقتطع المبالغ اللازمة لذلك من الاحتياطات أو من أرباح الأعوام الأربعة التالية".
جاء نظام الشركات لعام 1437هـ، في المادة العاشرة بالنص التالي: "لا يجوز توزيع أرباح على الشركاء إلا من الأرباح القابلة للتوزيع. إذا وزعت أرباح صورية على الشركاء، جاز لدائني الشركة مطالبة كل شريك -ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها. لا يلزم الشريك برد الأرباح الحقيقية التي قبضها ولو منيت الشركة بخسائر في الأعوام التالية. وجاء نظام الشركات لعام 1443هـ بالمادة الـ(22) توزيع الأرباح بالنص الآتي: 1- يجوز توزيع أرباح سنوية أو مرحلية من الأرباح القابلة للتوزيع على الشركاء أو المساهمين في شركات المساهمة والمساهمة المبسطة وذات المسؤولية المحدودة. 2- إذا وزعت أرباح على الشركاء أو المساهمين بالمخالفة لحكم الفقرة "1" من هذه المادة، جاز لدائني الشركة مطالبتها، وللشركة مطالبة كل شريك أو مساهم -ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها. 3- لا يلزم الشريك أو المساهم برد الأرباح التي وزعت عليه وفقا لأحكام الفقرة "1" من هذه المادة ولو منيت الشركة بخسائر في الفترات التالية. 4- تحدد اللوائح الضوابط اللازمة لتنفيذ ما ورد في هذه المادة.
تشهد هذه المواد على التحولات الكبيرة التي حصلت لمفهوم توزيع الأرباح طوال الأعوام من 1385هـ حتى العام الحالي. ففي نظام 1385هـ كان هناك مفهوم "صافي الربح"، و"الأرباح الصورية"، وفي نظام 1437هـ اختفى مفهوم "صافي الربح" وظهر مفهوم "الأرباح القابلة للتوزيع" واستمر مفهوم "الأرباح الصورية"، وفي نظام 1443هـ ظهر مفهوم "توزيع الأرباح"، ومفهوم "الأرباح السنوية" و"الأرباح المرحلية" ومفهوم "الأرباح القابلة للتوزيع"، واختفى مفهوم "الأرباح الصورية". ماذا يعني ذلك؟
كقاعدة عامة فإن هناك فرق بين صافي الربح وتوزيعات الأرباح، فلا دخل لصافي الربح في التوزيعات، ولهذا اختفى مع ظهور الأرباح القابلة للتوزيع، وأما الأرباح الصورية، فهي غير موجودة على الحقيقة "لا يوجد شيء اسمه أرباح صورية" فالشركة منفصلة قانونا عن مالكيها "مساهميها"، وهذا يعني أن المساهمين ليسوا مسؤولين عما يدفع لهم من توزيعات وليسوا مسؤولين عن ديون الشركة إذا أصبحت معسرة، لهذا نص نظام 1443هـ بألا يلزم الشريك أو المساهم برد الأرباح التي وزعت عليه وفقا لأحكام الفقرة الـ"1" من هذه المادة ولو منيت الشركة بخسائر في الفترات التالية، فالمشكلة ليست في التوزيعات أيا كان شكلها، بل في أن دفع أرباح الأسهم للمساهمين هو في الأصل نوع من التخلص من الأصول، وهذا قد يترك للشركة أصولا أقل للوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها، ولهذا السبب، حدث التحول من مفهوم الأرباح الصورية ومن مفهوم صافي الربح إلى مفهوم الأرباح القابلة للتوزيع، فحتى لو كان هناك صافي ربح ومن الممكن دفع أرباح يجب على أعضاء مجلس الإدارة أن يأخذوا في الحسبان مختلف المصالح الأخرى، بما في ذلك مصالح الموظفين، والحاجة إلى تعزيز العلاقات مع الموردين والاعتبارات طويلة الأجل، لذلك فمن واجبات أعضاء مجلس الإدارة، قبل التوصية بتوزيع أرباح أو دفعها، النظر فيما إذا كانت الشركة، بعد دفع الأرباح المقترحة، ستكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها وستظل قادرة على سداد ديونها عند استحقاقها، فمفهوم الأرباح القابلة للتوزيع واسع جدا، فهو يأخذ في الحسبان مثلا كل عقود الشركة التي وضعت -بشكل صريح أو غير مباشر- قيودا على دفعات الأرباح، فقد تتطلب عقود الاقتراض من البنوك أو أسواق الديون الحفاظ على حد أدنى من النسب المالية "على سبيل المثال، الربحية، أو أصول معينة مقابل التزامات معينة" التي قد لا يتم الامتثال لها إذا تم توزيع الأرباح.
من اللافت للنظر أن نظامي 1385هـ و1437هـ نصا على أنه إذا وزعت أرباح صورية على الشركاء، جاز لدائني الشركة مطالبة كل شريك -ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها. لكن في نظام 1443هـ، الفقرة الـ"2" جاء مختلفا، حيث نص: "إذا وزعت أرباح على الشركاء أو المساهمين بالمخالفة لحكم الفقرة الـ"1" من هذه المادة، "جاز لدائني الشركة مطالبتها"، وللشركة "مطالبة كل شريك أو مساهم -ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها". وهذا يرسم العلاقات بشكل صحيح تماما، فبعد أن كانت الشركة مبرأة من التقاضي كان على الدائنين رفع القضايا على كل مساهم وهو مستحيل عمليا في الشركات المساهمة، كما أنه يخالف المفهوم بشأن انفصال الشركة قانونا عن مالكيها "مساهميها"، وهو ما يعني -كما أشرت- أن المساهمين ليسوا مسؤولين عما يدفع لهم من توزيعات، وليسوا مسؤولين عن ديون الشركة إذا أصبحت معسرة، ولهذا تم إصلاح هذا الخلل مع حق الدائنين في مطالبة الشركة مباشرة والشركة هي التي تعود على المساهمين لاحقا، هذا يحمي الدائنين، فإذا كانت الشركة معسرة، أو من المحتمل أن تصبح معسرة، فإن واجب مجلس الإدارة يتغير إلى واجب مراعاة مصالح الدائنين.
نقلا عن الاقتصادية