انطلق البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة 2024 من التأكيد على أن الحكومة عازمة على استكمال جهود التحول التي بدأتها منذ انطلاق رؤية المملكة 2023، وذلك من خلال الاستمرار في تنفيذ المبادرات والإصلاحات الهيكلية على جانبيها الاقتصادي والمالي على حد سواء، وصولا إلى التحقيق التام لمستهدفات الرؤية، وما تشمله من قيام المالية العامة بتبني سياسة مالية تهدف إلى الموازنة بين استغلال المساحة المالية المتاحة من جانب أول، وصولا إلى تسريع وتيرة تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية العملاقة، التي تتمتع بتحقيق العائدين الاقتصادي والاجتماعي كأولوية قصوى، والممكنة في الوقت ذاته من تحقيق مستهدفات الرؤية الاستراتيجية السعودية في الأجل الطويل، من جانب آخر العمل المستمر على مراعاة مبادئ الاستدامة المالية، والمحافظة على تحقيق مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية والدين العام.
وفقا للبيان التمهيدي الأخير، أشارت المالية العامة إلى أن ميزانية العام المالي 2024 تعكس في الأجل المتوسط، درجة التقدم المتحقق على مستوى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الشاملة القائمة، وذلك بالاعتماد على تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية، والمناطقية، والبرامج والمشاريع الكبرى، التي سيدفع تنفيذها في المجمل إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، ورفع جودة الخدمات العامة، وتنفيذ مزيد من الاستراتيجيات الجديدة، وبناء على الالتزام بذلك المسار المالي المحفز، يقدر أن تحقق الميزانية العامة عجزا لا يتجاوز 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل، وتوقع استمرار تحقيق عجز في الميزانية عند مستويات مقاربة في الأجل المتوسط، نتيجة لتبني الحكومة سياسات الإنفاق التوسعي الداعم للنمو الاقتصادي.
إن ما تجدر الإشارة إليه بخصوص العجز المالي المتوقع استمراره حتى العام المالي 2026، أن التقديرات المتحفظة بحدوثه في الأجل المتوسط ناتجة في الأصل عن تبني سياسات إنفاق توسعية ومحفزة، وليست نتيجة لانخفاض الإيرادات التقديرية للميزانية العامة في الأجل المتوسط، التي أظهرت توقعات متحفظة بتراجع طفيف لإجمالي الإيرادات بما لا يتجاوز 0.7 في المائة بنهاية 2024 "نحو 1.17 تريليون ريال"، ومن ثم نموها بمعدل سنوي خلال 2025 بنحو 4.7 في المائة "نحو 1.23 تريليون ريال"، ثم نموها سنويا بنحو 2.6 في المائة بنهاية 2026 "نحو 1.26 تريليون ريال"، وكل هذا يعني أن إجمالي الإيرادات يتوقع أن يصل مجموعها خلال 2024 ـ 2026 إلى نحو 3.7 تريليون ريال، مدعومة بدرجة رئيسة بتوقعات النمو الاقتصادي المحلي والعالمي في الأجل المتوسط، وأن يسهم بدوره في نمو الإيرادات غير النفطية بشكل مستقر ارتباطا بنمو النشاط الاقتصادي، وبمساهمة من المبادرات والإصلاحات الهيكلية الشاملة التي تم تنفيذها طوال الأعوام الماضية، وأدت إلى تنمية الإيرادات غير النفطية بما أوصلها لأن تصبح مصدرا مهما ومستداما لتمويل المشاريع التنموية، والنفقات ذات البعدين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما دأبت الحكومة بالعمل عليه بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية، بالاعتماد على دعم وتحفيز النمو الاقتصادي، لارتباطه الرئيس وتأثيره المباشر في تحقق وتنامي الإيرادات غير النفطية بصورة مستدامة ومستقرة في الأجلين المتوسط والطويل.
أما على جانب النفقات في الأجل المتوسط، فوفقا للبيان التمهيدي للميزانية 2024، جاءت توسعية ومحفزة للنمو الاقتصادي، وقدر البيان وصول إجماليها خلال 2024 ـ 2026 إلى أعلى من 3.9 تريليون ريال بمتوسط نمو سنوي 2.8 في المائة، وهي المستويات القياسية من الإنفاق التي تؤكد على الاستمرار في التقدم بعملية الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية التنموية، وترجمة حقيقية لتوجه الحكومة نحو الإنفاق التوسعي الاستراتيجي الموجه لتنويع القاعدة الاقتصادية، الذي يستهدف دعم التغير الهيكلي الشامل للاقتصاد الوطني، مع التزام المالية العامة باستمرار رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق، لضمان تحقيق نمو اقتصادي، والمحافظة المستمرة على الاستدامة المالية العامة في الأجلين المتوسط والطويل.
تأتي البيانات التقديرية الواردة في البيان التمهيدي، تأكيدا على استمرار جهود الحكومة خلال العام المالي المقبل وفي الأجل المتوسط، بالمحافظة على المكتسبات المالية والاقتصادية المتحققة طوال الأعوام السابقة، من خلال الاستمرار في تسخير الموارد المالية المتاحة لرفع جودة الخدمات الحكومية، مثل التعليم والصحة والبيئة، إضافة إلى استمرار العمل المتكامل حكوميا وبالشراكة مع القطاع الخاص على تطوير البنية التحتية في مختلف مناطق المملكة، وصولا إلى تسهيل حركة الأفراد والسلع، وبما يسهم بصورة ملموسة في تعزيز ورفع جودة الحياة، وتحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030. إنها المنهجية المالية التوسعية في الأجل المتوسط، التي تؤكد حرص الحكومة على تعزيز منظومة الدعم والحماية الاجتماعية، والتوجه نحو التوسع في الإنفاق على الاستراتيجيات المناطقية، والقطاعية، والمشاريع التنموية الكبرى، التي من شأنها أن تسهم بالدرجة الأولى في تحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية ذات الأهمية التنموية القصوى في الأجلين المتوسط والطويل، وأن يأتي تحقق ذلك مقترنا مع استمرار تمكين وتعزيز دور القطاع الخاص، وتنمية المحتوى المحلي والصناعات المحلية، إضافة إلى تحفيز البيئة الاستثمارية المحلية.
ختاما، إدراكا من المالية العامة لأبرز المخاطر المالية والاقتصادية المحتملة خلال العام المقبل وفي الأجل المتوسط حتى 2026، التي تضمنت توقعات تباطؤ النمو العالمي الناتج عن ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، وأخذا في الحسبان بدء انكماش التضخم عالميا، واستقراره النسبي محليا، فقد قدر البيان التمهيدي للميزانية 2024 أن يؤدي ذلك التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، واستمرار الموجة التضخمية، إلى تداعيات سلبية محتملة على الاقتصاد المحلي، من خلال زيادة احتمالية ارتفاع معدلات التضخم المحلية، ما قد يسبب تراجعا في الطلب، ومن ثم انخفاض مؤشرات الاستهلاك المحلي، إلى جانب ارتفاع معدلات الفائدة وتأثيرها العكسي المحتمل على تباطؤ نمو الأنشطة الاستثمارية المحلية. قدر البيان التمهيدي أنها مخاطر منخفضة الاحتمالية بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل مواصلة مساهمة مبادرات تعزيز دور القطاع الخاص وانعكاساتها على دعم مؤشرات الاستهلاك والاستثمار، إضافة إلى تحسن معدلات التوظيف والتوطين، وهو ما من شأنه أن يؤثر إيجابيا، ويحد من أثر تلك المخاطر في نمو الناتج المحلي غير النفطي. لقد تبنت الحكومة عددا من التدابير والسياسات الحصيفة التي تمكنها من مواجهة أي من تلك المخاطر المحتملة، بما فيها وضع سقف لأسعار البنزين، وتعزيز الأمن الغذائي، إضافة إلى تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، ودعم السلع والخدمات الأساسية. كذلك تعزيز وتنمية القطاع غير النفطي.
تقلا عن الاقتصادية