خلال الأزمة المالية العالمية 2007-2008 تهاوت الكثير من المؤشرات الايجابية. وكان من ضمنها مؤشر الأجور الامريكي الذي تناقص من 41,334 دولار إلى 40,711 دولار معبراً عن معاناة سوق العمل الامريكي خلال تلك الأزمة, مما جعل مؤشر الأجور محط أهتمام كثير من المتابعين لأسواق العمل العالمية، وخلال كثير من أستقراءات اسواق العمل العالمية خرجت المقولة المعروفة Equal pay for work of equal value للعيان لتتجلى واضحة في مؤشرات الاجور الإيجابية جداً التي أصدرها المرصد الوطني للعمل في المملكة العربية السعودية، والتي بين فيها أن 200 ألف مواطن سعودي يتقاضون رواتب اكثر من 20 ألف ريال شهرياً وأن 44 ألف مواطن سعودي يتقاضون رواتب أكثر من 40 ألف ريال شهرياً وكانت هذه المؤشرات التي نشرها المرصد الوطني للعمل مبشرة جداً ودالة بصورة جلية على النمو الاقتصادي للمملكة العربية السعودية , وقوة وعمق وكفاءة سوق العمل السعودي سواء لأصحاب العمل أو للكوادر البشرية.
وحتى نفهم مدلولات هذه المؤشرات يجب أن نفهم ان المؤشرات هذه كانت انعكاسات لعدة برامج وخطط قامت بها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مثل برامج دعم التوظيف والتأهيل الموجه للقطاع الخاص وبرامج دعم التدريب وبرامج التمكين وتحفيز الابداع وكذلك حزم الدعم لكبح تداعيات جائحة كورونا ما بين عام 2019 و 2020 وبرنامج نقل المرأة العاملة وبرنامج ضيافات الأطفال وبرنامج الشهادات المهنية الاحترافية وبرنامج تدريب خريجي الجامعات السعودية والمبتعثين على رأس العمل (تمهير) وبرنامج دعم العمل الحر وبرنامج دعم العمل الجزئي وبرنامج التدريب الصيفي و برنامج العمل عن بعد وبرنامج دعم أجر أيام غسيل الكلى وبرنامج توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وبرنامج دعم ملآك المنشآت الصغيرة والعديد من البرامج والخطط التي قامت بها الوزارة، وكانت كل هذه الخطط والبرامج محفزات قوية لخروج هذه النتائج الرائعة في مؤشرات الاجور السعودي .
وطبعاً لا نغفل التحرك الايجابي لسوق العمل بنفسه بسبب وجود مشاريع ضخمة او كما نسميها mega projects والتي تتمثل في اهداف رؤية 2030, مثل مشاريع نيوم وthe line وSquare والعديد من المشاريع العملاقة التي كان لزاماً على سوق العمل مواكبتها ومواكبة أهدافها الإستراتيجية بصورة عامة والاهداف التشغيلية بصورة خاصة, وكان لزاما كذلك على المنشآت أن تطور من نفسها في عمليات الإستقطاب الفاعل المبني على البحث الحقيقي عن النخب والكفاءات من الكوادر البشرية, ومن الناحية الاخرى كان لزاماً كذلك على المواطنين ان يطوروا من انفسهم في تطوير مهاراتهم الوظيفية وجداراتهم لكي ينخرطوا بكل كفاءة في الوظائف المطلوبة.
كل هذا المتوجبات على صاحب العمل وعلى الموظفين قادت للايجابية الخضراء في هذا المؤشر واصبح وجود 200 الف مواطن برواتب تفوق 20 الف ريال شيء طبيعي ونتيجة لعوامل مخطط لها مسبقاً بدقة، في نفس تفاصيل المؤشر الذي أعلنه المرصد الوطني للعمل والذي افاد بوجود 44 الف مواطن برواتب تتجاوز 40 الف ريال يوضح بكل صراحة أن هناك تمكين مرتفع للكوارد الوطنية وكذلك وجود ارتفاع في تقلد الكوادر الوطنية للوظائف القيادية. وهذا يدل بالتالي على ارتفاع وزيادة في المهارات القيادية لدى ابناء الوطن, والمرصد كذلك نوه ان هناك ارتفاع ملحوظ في الطلب على الوظائف التخصصية والوظائف الواعدة أو كما تسمى وظائف المستقبل، وبحساب بسيط بالإمكان رؤية الفرق الرائع بين عام 2018 وعام 2023 حيث ان المتوسط للراتب كان في عام 2018 يقارب 6600 ريال بينما الان في عام 2023 اصبح يقارب 9600 بإرتفاع مقداره يقارب 45% وهو ارتفاع جداً رائع لخمس سنوات فقط.
ومن الجدير بالذكر أن المرصد الوطني للعمل يصدر ست حزم من المؤشرات الرئيسية السنوية على سبيل الرصد ودراسة الأثر وهي تضم 34 مؤشر فرعي وهي كالتالي:
- مؤشرات المشتركين في التأمينات الاجتماعية في القطاع الخاص.
- مؤشرات الحراك و الاستقرار الوظيفي في التأمينات الاجتماعية.
- مؤشرات الوظائف المشغولة ومعدل الرواتب.
- مؤشرات المنشآت الخاضعة لبرنامج نطاقات.
- مؤشرات القوى العاملة من الأشخاص ذوي الإعاقة.
- مؤشرات توظيف الخريجين.
وتكمن أهمية مؤشر الرواتب والأجور أنه مؤشر مهم على الصعيد العام والصعيد الخاص، ففي الصعيد العام يبين المؤشر كما أسلفنا صحة وحيوية أي سوق عمل وبالتالي يحفز المستثمرين للدخول لسوق العمل وفتح مجالات جديدة وأنشطة مختلفة، اما على الصعيد الخاص فغالب الدول تقوم بربط المعاشات التقاعدية بمعادلات يكون مؤشر الرواتب والاجور احد طرفيها, مثلما تفعل الولايات المتحدة التي تربط مؤشر الرواتب والاجور سنة بسنة بمؤشرات اقتصادية مثل COLA معدل غلاء المعيشة، فيكون هذا المؤشر جزء اساسي في تحديد النظير التقاعدي لكل فرد في تلك الدولة, وبهذا يكمن المصلحة العامة الوطنية بجعل المؤشر في حالة أيجابية مأمولة.
في النهاية, كان مؤشر الأجور السعودي هو أثر جلي لنجاح اهداف رؤية 2030 وكان دليل ملموساً أن هناك اتصال حقيقي بين الاهداف الإستراتيجية وبين الاهداف التشغيلية الداعمة لكل هدف إستراتيجي، ننتظر كامل التقرير السنوي من المرصد الوطني للعمل والذي يحمل بقية المؤشرات والتي نتوقع كذلك بأنها لن تكون أقل روعة من مؤشر الأجور المعلن.
خاص_الفابيتا