ناقشت قمة العشرين بالهند (9-10 سبتمبر/ أيلول 2023)، الآثار المالية الكلية المحتملة الناشئة عن إدخال واعتماد العملات الرقمية Digital Currencies للبنوك المركزية، لا سيما على المدفوعات عبر الحدود، وكذلك على النظام النقدي والمالي الدولي، وإشارة إلى مناقشات قمة العشرين بالرياض (21-22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020). إذ تناولت القمة الأوضاع الاقتصادية في العالم، وكلفت صندوق النقد الدولي دراسة الآثار المالية الكلية للعملات الرقمية، حيث يجب عدم تداولها حتى يتم وضع جميع المتطلبات القانونية والتنظيمية والرقابية ذات الصلة بشكل مناسب وبما يتماشى مع المعايير المطبقة، وقد رحب القادة بالرياض، في 2020، بالتقارير الصادرة عن مجلس الاستقرار المالي، ومجموعة العمل المالي، وصندوق النقد الدولي، بشأن ما يطلق عليها «العملات المستقرة العالمية». وقد وجه القادة بوضع المعايير وبمراجعة المعايير الحالية في ضوء هذه التقارير وإجراء التعديلات اللازمة، وكان من أهم ما وجه به القادة من خلال كلماتهم، دراسة ضرورة وجود تنسيق وتعاون نقدي دولي يعمل على وضع الأطر الكفيلة بحماية المتعاملين بهذه العملات، مع العمل على صياغة قوانين تضبط إصدار هذه العملات وآليات تداولها على المستوى الدولي، وإصدار تعليمات إلزامية تمنع تداول هذه العملات، لحين الوصول لضوابط دولية بشأنها.
وانتشر أيضاً التعامل بالعملات الرقمية في كثير من دول العالم، إذ إنها عملة ليس لها وجود مادي، يتم تداولها في الإنترنت فقط وتوليدها من خلال برامج خاصة في الحاسب الآلي، ولا تزال غالبية الناس غير ملمين بخصائص ومخاطر هذه العملات، ولذا فقد وجهت القمة صندوق النقد الدولي لدراسة وبيان حقيقة العملات الرقمية وأنواعها وخصائصها، مع تحليل لأبرز الآثار الاقتصادية الناشئة عن انتشارها واستخدامها بوصفها وسيلة دفع حديثة، وبناء على تكليف القادة في قمة العشرين بالرياض (21-22 نوفمبر 2020)، نشر صندوق النقد الدولي منشوراً حول الأصول المشفرة ولوائحها، إذ طالب الصندوق بنهج عالمي شامل لتنظيم الأصول الرقمية، وسلط الضوء على بعض القضايا الرئيسية المتعلقة بـ«البيتكوين»، والأصول الرقمية الأخرى، حيث هناك مبالغة في تقدير العديد من العملات الرقمية، ولا تزال حماية مستثمري العملات الرقمية مشكلة كبيرة بسبب عدم وجود لوائح واضحة. ويعتقد الصندوق بأن اتباع نهج عالمي غير منسق للوائح العملة المشفرة سيؤدي إلى زعزعة استقرار النظام المالي.
وقد بدأت فكرة «البيتكوين» في أواخر عام 2008، وظهرت على أرض الواقع في بداية عام 2009 عن طريق مبرمج مجهول يدعى ساوتشي ناكاموتو، الذي تبنى فكرة العملة الرقمية بهدف تغيير العملات التقليدية السائدة واستبدالها، لتحل محلها العملة الجديدة التي تحفظ خصوصية البائع والمشتري، ولا تتحكم بها البنوك والحكومات، ويتم التعامل بها من خلال بروتوكول الند للند (متعامل مع متعامل) مع اعتماد تقنيات التشفير الحديثة بهدف زيادة الأمان فيها، ولذا فهي عملة لا توجد إلا في الإنترنت فقط، ومن خلال المَحافظ الإلكترونية، وتعد العملة الافتراضية «البيتكوين» من أكثر النقود الافتراضية انتشاراً وقبولاً، ويمكن الحصول عليها إما عن طريق التعدين وفق آليات محددة، أو من خلال الشراء من الأسواق والبورصات المتخصصة بهذه العملات.
إن العملات الرقمية لا تقدم أية إضافة نوعية متميزة عمّا تقدمه العملات المتداولة الحالية، مثل الدولار، واليورو، واليوان، والين وغيرها من العملات المتداولة، إذ سيعقّد تداولها المشهد المالي الدولي من خلال تمويل الصفقات غير المشروعة، والتهرب الضريبي، وإرباك وظائف البنوك المركزية في العالم، وغيرها من المشكلات المحتملة، حيث يتم تداول ملايين عدة من الأموال يومياً، التي لا تنتمي لأي دولة، ولا يدعمها وينظمها ويطبعها أي بنك مركزي في العالم، ولا تخضع لسياسات الدول، كما أنها لا تتأثر إلا بقانون الثقة بين المتعاملين وسمعة التعاملات، هذه إشكالية بين استعمال العملات الرقمية أو الامتناع عنها، حتى يضع صندوق النقد الدولي التعليمات التي تضمن الاستعمال والتداول الآمن لهذه العملة، إذ بيّن مجلس الاستقرار المالي أن فشل لاعب واحد في سوق العملات الرقمية كفيل بأن يفرض خسائر كبيرة على أهل القطاع كله من مستثمرين، وأسواق ناشئة، وأنظمة بيئية أخرى في مجال العملات والأصول الرقمية.
وفي الختام، رحبت قمة الهند (2023) بتقرير مركز الابتكار لبنك التسويات الدولية حول الدروس المستفادة من العملات الرقمية للبنوك المركزية، وتتطلع القمة إلى تقرير صندوق النقد الدولي حول الآثار المالية الكلية المحتملة للتبني الواسع النطاق للعملات الرقمية للبنوك المركزية لتعزيز المناقشة حول هذه القضية.
نقلا عن الشرق الأوسط