أظهر أحدث مؤشرات الأسعار "التضخم" حتى نهاية أغسطس الماضي، تباطؤ نمو التضخم للشهر الرابع على التوالي إلى 1.95 في المائة، متراجعا من مستواه قبل أربعة أشهر ماضية عند 2.8 في المائة بنهاية مايو من العام نفسه. وعلى الرغم من تباطؤ كل الأقسام الرئيسة المكونة للتضخم، إلا أن قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى كانت الاستثناء بارتفاعه بمعدل سنوي ناهز 9.0 في المائة، مدفوعا بدرجة رئيسة بارتفاع مجموعة إيجارات السكن الفعلية بمعدل سنوي بلغ 10.8 في المائة، ويتأكد تأثيره الكبير في تحديد اتجاه التضخم بمعرفة أن وزنه النسبي في معادلة احتساب التضخم يبلغ نحو 21.0 في المائة! وهو ما سبقت الإشارة إليه في مقال سابق، من أن المغذي الأبرز للتضخم خلال الفترة الراهنة، يستمد من الارتفاع المطرد والمستمر لتكلفة الإيجارات للشهر الـ18 على التوالي، وأن ارتفاع معدل الفائدة الذي يقف خلال الفترة الراهنة عند أكثر من ثلاثة أضعاف معدل التضخم "6.3 في المائة"، قد نجح في كبح التضخم في الأسعار عموما باستثناء تكلفة الإيجارات عموما، والسكنية خصوصا، ما يقتضي بدوره المبادرة بإقرار تنظيم أكثر فاعلية لسوق الإيجارات في المملكة، المؤمل أن يسهم في تعزيز استقرار الأسعار عموما، وفي توطيد استقرارها في القطاع العقاري عموما والقطاع السكني خصوصا.
تشكل سوق الإيجارات واحدة من أكبر الأسواق المحلية، التي تمتد آثار التغيرات فيها إلى نشاطات الاقتصاد الوطني كافة، وتمتد أيضا إلى محددات الأوضاع المعيشية للمجتمع الاستهلاكي، وكلا الجانبين يحتلان موقعيهما المهم جدا في هيكل الاقتصاد الوطني، بدءا من حماية استقرار القطاع الإنتاجي من الاقتصاد الكلي، الذي يشكل أغلبه منشآت القطاع الخاص كافة، القطاع الذي يستهدف زيادة نموه وتوسيع مساهمته في الاقتصاد إلى أعلى من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى دفعه نحو أوسع الآفاق على مستوى توظيف الموارد البشرية المواطنة، وتحفيزه لأجل المساهمة بصورة أكبر في خفض معدل البطالة، وكل هذا سيسهل تحققه متى ما تمت حماية القطاع الإنتاجي "القطاع الخاص" من الارتفاعات القياسية في تكلفة الإيجار على كاهله، لما تمثله من وزن نسبي كبير في ميزان تكاليفه الإنتاجية والتشغيلية، التي لا شك أن آثارها العكسية قد زادت مع الارتفاعات المطردة لمعدل الفائدة، وما أدت إليه من كبح للقدرة الشرائية والتمويلية لأغلب مكونات الطلب على السلع والمنتجات والخدمات المقدمة من مكونات القطاع الخاص، وهو ما أثبتته مؤشرات الأسعار "التضخم" الأخرى باستثناء تكلفة الإيجارات الفعلية.
أما على مستوى المعيشة بالنسبة للمجتمع الاستهلاكي المحلي، وهو نقطة الانطلاق الرئيسة لضرورة إقرار تنظيم سوق الإيجارات محليا، فالتحديات لا تقل عما يواجهه القطاع الإنتاجي، خاصة في المدن الأكثر كثافة سكانيا، التي تمثل النسبة العظمى من الطلب الاستهلاكي المحلي، والمزود الأكبر للتدفقات الداخلة على القطاع الإنتاجي، ما يؤكد الترابط الكبير بين مختلف مكونات الاقتصاد الوطني، وأن المزايا المأمولة من تطبيق ذلك التنظيم المنشود لسوق الإيجارات في المملكة تتجاوز بدرجة كبيرة جدا أي آثار عكسية محتملة، بل إنها ستؤدي في مجملها إلى تحفيز الطلب المحلي ومن ثم النمو الاقتصادي الحقيقي، وأن مزاياه أو مكاسبه المأمولة ستتوزع في الأجلين المتوسط والطويل على نشاطات وقطاعات الاقتصاد الكلي كافة، وهو الأمر الإيجابي الذي سيعزز تحققه بكل تأكيد من النمو الاقتصادي المستدام، ويدفع به نحو المستويات المستهدفة التي تكفل قدرة أكبر للاقتصاد على تنويع قاعدته الإنتاجية من جانب، ومن جانب آخر تعزيز قدرته على إيجاد مزيد من فرص العمل للموارد البشرية المواطنة، والمساهمة في استمرار خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات.
ختاما، تتجدد الحاجة الماسة إلى إقرار تنظيم شامل لسوق الإيجارات، الذي ثبتت جدواه في الاقتصادات التي تبنت العمل به، إلا أنه قد لا يكون كافيا وحده في مواجهة مغذيات أخرى للتضخم عموما، ولارتفاع تكلفة الإيجارات خصوصا، ذلك أن جزءا كبيرا من أسباب الارتفاعات غير المبررة للإيجارات خلال الفترة الراهنة، يعود إلى التضخم الكبير والمتسارع الذي طرأ على أسعار الأراضي والعقارات خلال الفترة 2019 ـ 2022، وما زال يحتفظ بالقدر الأكبر من قوته على الرغم من الارتفاع القياسي والمطرد لمعدل الفائدة منذ نهاية الربع الأول من 2022، ووصوله إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من 22 عاما مضى. ورغم كل ذلك، فإقرار تنظيم شامل لسوق الإيجارات، يعمل وفق منظومة من المعايير والضوابط الدقيقة، بما يكفل حوكمة هذه السوق العملاقة، ويكفل أيضا حقوق الأطراف الرئيسين فيها "مستثمرين، مستأجرين"، ويكفل أيضا توفير بيئة مستقرة تحافظ على الجاذبية الاستثمارية لسوق الإيجارات، وفي الوقت ذاته تعمل على حماية الأطراف المستأجرة من أي ممارسات خارج الاعتبارات التنافسية والمؤشرات الاقتصادية. كما تقتضي التطورات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد الوطني بشكل عام، والسوق العقارية على خصوصا لما لها من تأثيرات على مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني بشكل عام، أن يتم العمل المشترك والمتكامل من قبل كل الأجهزة ذات العلاقة في السوق، على استقرار مستويات الأسعار عقاريا ضمن مناطق عادلة سعريا، سيؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وأن تعمل السياسات الاقتصادية والمالية على أن يتحول القطاع العقاري محليا من كونه يستمد عافيته من النشاط والأداء الاقتصادي المحلي، عوضا عن أن يستمد عافيته وتصاعد أسعاره من ظواهر سلبية، كالاحتكار والمضاربة على الأراضي وغيرها من التشوهات، التي أصبحت من المستهدفات الساعية إلى القضاء عليها ومحاربتها "نظام الرسوم على الأراضي البيضاء".
نقلا عن الاقتصادية
استاذ عبدالحميد ...الارقام اذا لم يكن فيها تفصيل تكون مضلله !!...على سبيل المثال الاجارات تختلف من مدينه الى اخرى والمملكه ماشاء الله تبارك الله قاره ...مانعرفه ان الرياض لديهم الاجارات غاليه جدا وخاصة شمال الرياض وتزاد الاجارات سنويا وكذالك في جده بسبب الهدم والازالات للاحياء العشوائيه ...لكن تعال الى المنطقه الشرقيه وتحديدا حاضرة الدمام الاجارات رخيصه واحيانا مناسبه وبعض الاجارات محنطه منذ سنوات ولا يستطيع الملاك زيادة ريال واحد بسبب كثرة المساكن وتوفرها ...لذالك الارقام يجب ان يكون فيها تفصيل حتى تعكس الواقع الحقيقي ...شاكر جهودك .