تقييم إيجابي مستحق للاقتصاد السعودي

13/09/2023 5
عبد الحميد العمري

جاء التقييم الأخير لتقرير مشاورات المادة الرابعة الصادر عن صندوق النقد الدولي لأداء الاقتصاد السعودي إيجابيا، استنادا إلى مؤشرات أدائه القوية على جميع المستويات خلال الفترة الماضية، ومؤكدا أنها تحققت على أرض الواقع كترجمة فعلية لرؤية المملكة 2030، تلك الرؤية الطموحة التي دأبت من خلال مبادراتها وبرامجها التنفيذية العديدة على تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، ما دفع الصندوق إلى توقع استمرار زخم نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، واحتفاظه بقوته خلال المرحلة الراهنة من عمر التحولات التي يشهدها الاقتصاد الوطني، وأن تسهم قوة الإنفاق الاستهلاكي من جانب، من جانب آخر تسريع تنفيذ المشاريع التنموية العملاقة، في زيادة الطلب المحلي ومنح القطاع غير النفطي عموما، والقطاع الخاص خصوصا مزيدا من النمو المطرد.

إنها التطورات المهمة التي تدور في محيط أوسع من الإصلاحات والتطوير المستمر يعيشها الاقتصاد الوطني، مستفيدة من النشاط اللافت وغير المسبوق على مستوى الرقمنة، والتحسينات المستمرة التي شهدتها ولا تزال البيئة التنظيمية والتجارية في المملكة، ما أدى إلى زيادة ضخ استثمارات القطاع الخاص، ما أثمر بدوره عن تراجع معدل البطالة إلى أدنى مستوياته التاريخية، وأسهم أيضا في زيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، معززا في الإطار العام بالأداء الاقتصادي المحلي، الذي نجح من خلال السياسات الاقتصادية الكلية في احتواء التضخم وإبقائه عند أدنى مستوياته، سواء مقارنة بـدول مجموعة العشرين، أو بالمستوى الدولي عموما. وتزامن كل ذلك مع دعم من النظام المصرفي المحلي الأكثر استقرارا ومتانة، الذي أسهم في زيادة دعم أدواره المهمة، واستمرار التحديثات والإصلاحات للإطار التنظيمي والإشرافي التي قام على تنفيذها وتحقيقها البنك المركزي السعودي.

كما كان من أهم ما دفع بالاقتصاد الوطني نحو امتيازاته الراهنة -بحمد الله- النهج الحصيف للسياسة المالية طوال الأعوام القليلة الماضية، التي ركزت بدرجة أكبر على استمرار تمويل المشاريع التنموية في الأجل المتوسط، والاستمرار أيضا بالتزامن مع تلك المحفزات المالية بالمحافظة على تحقيق مستهدفات رفع كفاءة الإنفاق، في الوقت ذاته الذي ركزت أيضا على تعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي من تلك المشاريع التنموية المهمة، وتوفير مزيد من الفرص الواعدة أمام القطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، وكل ذلك بالتأكيد ترجمة فعلية لما تضمنته رؤية المملكة 2030. جاءت زيادة تمكين القطاع الخاص في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، استهدافا من الحكومة لتحفيز النمو الاقتصادي الكلي، الذي سيسهم بدوره في زيادة فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة، وخفض معدل البطالة في الأجلين القصير والطويل. ولعل من أهم وأبرز الشواهد على التقدم فعليا في هذا الاتجاه التنموي الكبير، إطلاق الدولة -أيدها الله- مركز برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص (شريك) المخصص لضمان استدامة الشركات المحلية، الذي يشكل استثمارا طويل الأجل للازدهار والنمو المستدام للاقتصاد السعودي، والاعتماد في ذلك على إطلاق مزيد من استثمارات القطاع الخاص، وتحفيزها ودعمها بالاستثمارات المتراكمة عبر مختلف مجالات ونشاطات الاقتصاد الوطني، وهذا بكل تأكيد مما سيدعم بقوة الجانب التنموي الاستراتيجي المتمثل في توفير مئات الآلاف من الوظائف الكريمة للمواطنين والمواطنات، ويسهم أيضا في رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وصولا به إلى مستهدف رؤية المملكة 2030 عند أعلى من 65 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2030.

كما أشار التقرير الإيجابي لصندوق النقد الدولي عن المملكة، إلى أن الحكومة دأبت طوال الأعوام الخمسة الماضية على زيادة تمكين القطاع الخاص بصورة أكثر فاعلية، وبما يسمح له بتطوير الأداء والابتكار والمنافسة المحلية والدولية، وبما يضمن رفع معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل أمام الموارد المواطنة في الأجلين المتوسط والطويل، ولهذا اهتمت الحكومة بشكل مستمر بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية والإجرائية على المستويات كافة، التي سيسهم تحققها على أرض الواقع في تحسين وتسهيل بيئة الأعمال المحلية، ويسهم أيضا في زيادة تدفقات استثمارات القطاع الخاص بصورة مطردة ومتنامية، وهو ما أكده فعليا التحسن الجيد الذي أظهرته مؤشرات أداء القطاع الخاص على اختلاف نشاطاته، وتمثل في مجمله في معدلات النمو الإيجابية للناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بنسبة وصلت إلى 4.8 في المائة، ولهذا سيستمر بمشيئة الله تعالى اهتمام الدولة -أيدها الله- من خلال مختلف أجهزتها الحكومية، والعمل على تمكين القطاع الخاص بالاعتماد المستمر بتوفير الإطار الاقتصادي المستقر، وتعزيز وترسيخ المناخ الاستثماري الملائم، والعمل على استمرار تعزيز وتطوير البنية التحتية والتشريعية، وضمان متانة شبكة الحماية الاجتماعية، واقتران العمل على تحقيق تلك المستهدفات بالتركيز الدؤوب على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي.

ختاما، قام العمل الحكومي على منظومة متكاملة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسات المالية، التي أخذت في حسبانها الوضع الاقتصادي والمالي، وستقوم باستمرار بمراجعة تلك السياسات المرحلية خلال الفترة الراهنة، متى ما أصبحت الأوضاع المحيطة في موقع مناسب وأفضل، وهو الأمر الذي لا يغيب تقييمه لدى أي طرف، في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي خلال الفترة الراهنة من أوضاع غير مواتية، غلب عليها عدم الاستقرار وتراجع معدل النمو، نتيجة تشديد السياسات المالية النقدية، التي استبقتها الدولة -أيدها الله- بعديد من الإجراءات الاستباقية، بهدف الحد من آثارها في مجتمع المواطنين، كارتفاع التضخم، كان من أهمها وضع سقف لأسعار الطاقة ـ من أبرز الأسباب المؤدية للتضخم.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية