أسلوب الاتجاه المعاكس في الأسهم

04/09/2023 1
د. فهد الحويماني

أسلوب الاستثمار من خلال سلك طريق معاكس لمسار الآخرين يعد من أهم أساليب الاستثمار، ليس فقط في مجال الأسهم، بل في شتى المجالات الاستثمارية، حتى يمكن تطبيقه في مناح حياتية أخرى لن نتطرق إليها هنا. الفكرة بشكلها العام هي ما يتحدث عنه وارين بافيت المستثمر الشهير حين يقول عليك بالخوف عندما يكون الآخرون طماعين، وعليك بالطمع عندما يكونون خوافين، لكن الإشكالية تأتي في فهم المقصود بذلك، فيحدث هناك سوء تطبيق لهذا المفهوم الاستثماري المهم، أكبر الأخطاء التي يقع فيها البعض هو الاعتقاد بأن الهدف من أسلوب الاتجاه المعاكس أن تصبح مخالفا للوجهة العامة أيا كانت، فإن كانت الأسهم في حالة صعود تقوم على الفور بالبيع، ومتى كانت الأسهم في نزول فهو الوقت المناسب للأخذ بسلاح الاتجاه المعاكس والبدء في شراء الأسهم، فيصبح الاتجاه المعاكس هدفا في حد ذاته، بينما هو في الواقع مجرد وسيلة يتم توظيفها في الوقت المناسب لتحقيق ربح مناسب من الاستثمار.

خطأ الأخذ بأسلوب الاتجاه المعاكس يتكرر سواء على مستوى السوق ككل أو على مستوى قطاع معين أو حتى على مستوى شركة بعينها، وسبب ارتكاب الخطأ أن هناك بالفعل أسبابا منطقية تبرر سلك الاتجاه المعاكس، منها أن جموع الناس، أو من يمكن تسميتهم القطيع، بالفعل يقعون في أخطاء سلوكية معروفة، بالتالي تكون قراراتهم غير سليمة، وهذا مجال معروف يناقش في مجال الاقتصاد السلوكي ويعتمد على مفاهيم تقع في اختصاص علم النفس. لكن مرة أخرى ليس الهدف من أسلوب الاتجاه المعاكس مجرد مخالفة التصرفات الجماعية، لأن القطيع يبدو في الأغلب على خطأ.

التبرير الأكثر منطقية من مجرد كون القطيع على خطأ هو أنه عندما يكثر الحديث عن قوة الفرص الاستثمارية، بالذات في مجال الأسهم، فالواقع أن ذلك يحدث من قبل المستثمرين ومديري الصناديق والمحافظ الاستثمارية بعد أن يتم الاستثمار في تلك الأسهم ولم يعد هناك أموال للاستثمار في أسهم أخرى، فيأتي الترويج من باب حث الآخرين على الدخول ودفع الأسعار إلى الأعلى. في مثل هذه الحالات هؤلاء المستثمرون بالفعل يكونون في الأغلب ممن مارس أسلوب الاتجاه المعاكس في وقت سابق حين قاموا بالشراء، ما يعرف بظاهرة التجميع أو الشراء البطيء في وقت مبكر، التي تنتهي بظاهرة التصريف حين يتم البيع لاحقا بعد أن ترتفع الأسعار إلى مستويات عالية، أي أن هؤلاء قاموا بتطبيق الأسلوب المعاكس بشكل صحيح.

التطبيق الصحيح لهذا الأسلوب يأتي من خلال الدراسة والتحليل واكتشاف فرص البيع والشراء، أو في مجالات أخرى باكتشاف فرص الدخول في مجال استثماري من عدمه، فمثلا ما قام به إيلون ماسك رائد الأعمال الشهير حين قرر الدخول في صناعة السيارات الكهربائية يعد من أساليب الاتجاه المعاكس، إذ لم يكن في ذاك الوقت من يعتقد وجود فرصة استثمارية في مجال مسيطر عليه من قبل شركات عريقة، وفرص المنافسة فيه شبه معدومة، بل إن شركة جنرال موتورز ذاتها قامت بالفعل بإنتاج سيارات كهربائية قبل ذلك بأعوام قليلة، ثم أعلنت عدم جدواها والتوقف عن صناعتها، فبهذه الحالة كان قرار ماسك مخالفا لآراء الخبراء والمجربين والمطلعين.

إذن، التطبيق الصحيح ينطلق من دراسة الوضع القائم بشكل جيد، ولذلك هناك تشابه كبير بين أسلوب القيمة في الاستثمار value investing وأسلوب الاتجاه المعاكس في أهمية أن يكون القرار مبنيا على معلومة صحيحة واكتشاف فرص حقيقية، وليس مجرد مخالفة الاتجاه العام والاعتماد على الحظ في ذلك. وبالمثل نجد أن مايكل بيري المضارب الشهير الذي درس سوق التمويل العقاري وسندات الرهن العقاري واكتشف حدة الخلل الذي اعتمد على التوسع في الإقراض بضوابط ضعيفة، فاتخذ قراره بإجراء عمليات بيع على المكشوف حقق من خلالها أرباحا عالية، فهو في هذه الحالة خالف الوجهة العامة في ذلك الوقت.

هناك مؤشرات فنية ومالية عديدة تستخدم في تحديد توقيت انتهاج الأسلوب المعاكس، منها في أمريكا مؤشرات التذبذب ودراسة اختلاف العوائد ومقاييس خاصة بنشاط سوق المشتقات، ومعرفة نسب الأسهم المبيعة على المكشوف، ومستويات الأرصدة النقدية للعملاء، وغيرها. وفي جميع هذه الحالات يؤخذ بالمسار المعاكس، فمثلا عندما تنخفض قراءة مؤشر الخوف فإن ذلك يدل على تهاون الناس وتهورهم في شراء الأسهم، فيكون من المناسب الخروج، وهكذا. وهناك أسلوب يناسب المستثمر الفرد غير المتفرغ، وهو لا شك أسلوب معرض للخطأ ويتطلب مهارات استقصائية ذكية، وفكرته أن يقوم الشخص بمحاولة قراءة المشاعر العامة للمستثمرين الأفراد -من يطلق عليهم القطيع- ومن ثم أخذ المسار المعاكس. يتم ذلك من خلال قراءة تفكير الآخرين وسلوكياتهم سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف أو النقاشات الاجتماعية، ومن ثم أخذ الاتجاه المعاكس حين ترتفع المشاعر الإيجابية بشكل حاد ومبالغ فيه.

من المهم على المستثمرين في أي مجال مالي أو تجاري أو اقتصادي دراسة أسلوب الاتجاه المعاكس، ولكن يجب أن يبدأ الشخص بتحديد التوجه الذي يهدف إلى معاكسته، أي، ما الشيء الذي يسعى الشخص إلى معاكسة قراراته؟ فليس صحيحا مخالفة التوجه العام في كون مسار الوسيلة الاستثمارية صاعدا لمجرد أن كثيرين مقتنعين بذلك، وبالفعل قاموا بالدخول في تلك الوسيلة، فهناك حالات كثيرة يكون فيها القطيع على حق لفترة طويلة، سواء في ابتعاده عن الاستثمار أو في مبالغته في ذلك.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية