الإنفاق الاستهلاكي في المملكة يُعد من الأضخم شرق أوسطياً، ويفوق حجمه تويليون ريال، ويشمل السحوبات النقدية ومبيعات نقاط البيع ومبيعات التجارة الإلكترونية، ولذلك تعد الرقابة وحماية المستهلك من أولويات عمل الأجهزة الحكومية المعنية، وقد أعلنت وزارة التحارة قبل أيام عن غرامات مالية طالت ثلاث عشرة وكالة سيارات صينية أمريكية بريطانية وكورية وإيطالية خالفت نظام الوكالات التجارية، حيث يعد سوق السيارات في المملكة ضخماً، ففي العام الماضي تم بيع 615 ألف سيارة، ويقدر حجم السوق بعشرات مليارات الريالات، فالسوق السعودي تنشط فيه أغلب شركات السيارات العالمية نظراً لأهميته، وهو ما يمثل تحدياً أيضاً لجهات الرقابة والمواصفات والمقاييس في متابعة السوق ورصد أي تجاوزات للأنظمة فيه، حيث تُعلن بين فنرة وأخرى أخبار عن تطبيق غرامات أو سحب سيارات لعيوب مصنعية وذلك لحماية المستهلك وحفظ حقوقه.
وبالعودة للمخالفات التي رصدت وطبقت عليها الغرامات فقد تمثلت في «عدم توفير سيارة بديلة أو تعويض مالي للمستهلك عن فترة عدم انتفاعه بالمركبة طوال مدة الصيانة، وعدم توفير قطع غيار ذات مواصفات فنية خاصة في الموعد المحدد المتفق عليه بين الوكالة والمستهلك، وعدم استقبال سيارة المستهلك خلال فترة سريان الضمان، وعدم توفير قطعة الغيار نادرة الطلب خلال 14 يوماً من تاريخ طلب المستهلك لها، والتأخر في تسليم مستهلك سيارته الجديدة، وعدم تحديد الالتزامات الواجبة من الوكالة تجاه المستهلك، بالإضافة لعدم الالتزام بأحكام تقديم الصيانة وشروط الضمان». فهذا الكم من المخالفات يشير إلى المتابعة للسوق والتفاعل مع شكاوى المستهلكين، لكن في الحقيقة هناك أيضاً كثير من التساؤلات تُطرح عن سوق السيارات في المملكة خصوصاً في الفترة ما بعد جائحة كورونا، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وكانت الأسباب المعلنة عالمياً هو تراجع الإنتاج بشكل كبير لأسباب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج والشحن عالمياً، لكن ذلك يعد ما ضيًا، فكل الأسباب المذكورة تلاشت بل حتى الائتمان عالمياً ارتفعت تكلفته وانخفض بالمجمل الطلب على السلع عموماً، ففي الفترة الماضية تردد كثيراً أن من يذهب لطلب سيارة من أغلب الوكالات عانى من تأخير بتلبية طلبه لأسابيع وبعضهم لشهور، والغريب أن معارض السيارات أو الموزعين كانت تتوفر لديهم السيارات إلا أن الأسعار كانت وقتها ترتفع بل حتى السيارات المستعملة قفزت أسعارها بنسب عالية، ولربما هدأ السوق حالياً بعد تدخلات وزارة التجارة لكن ما حدث خلال تلك الفترة يفتح الباب للنقاش حول ضرورة إعادة هيكلة السوق، مثل فتح باب الاستيراد بطرق عديدة وبتسهيلات أوسع مع حث الشركات الصانعة على افتتاح فروع لها بالمملكة ليكون السوق أكثر تنافسية، فما ينتشر من مقاطع فيديو أو ما هو موجود من مواقع عالمية لبيع السيارات يظهر فروق كبيرة بالأسعار بين سوقنا والأسواق الخارجية مثل أميركا والتي لا يمكن التأكيد على صحتها. وقد يرى البعض أن هناك فروقات بالمواصفات وأن الأسعار ليست بذلك الفرق الشاسع لاختلاف بعض التكاليف، لكن تعدد المواقع التي تبيع السيارات الكترونياً وكذلك الكم الهائل من المقاطع المنتشرة على وسائل التواصل يعزز القناعات بأن هناك فوارق سعرية مع الخارج لا يستهان بها، ولذلك يتكرر السؤال منذ سنوات عن هذه الفروقات بالسعار وبالتأكيد هناك تفاصيل وتداخلات عديدة في تركيبة السعر وهو ما يظهر أهمية التدقيق فيها لمعرفة سبب هذه التياين بدايةً من سعر المصنع إلى قيمة السيارة في بلد المنشأ، وكذلك تكلفة الشحن والتأمين وما يقدم من مستندات بما فيها التحوط من قبل التاجر لتقلبات أسعار الصرف وكل التفاصيل التي تدخل بالتسعير، والمقارنة مع عدد من الأسواق العالمية والإقليمية حتى يتم قطع الشك باليقين، وليكون المستهلك على معرفة تامة بمنطقية قيمة ما يشتريه، وكذلك الأهم خفض التكلفة وما لها من فائدة على الاقتصاد عموماً، فكل انخفاض بالأسعار هو لمصلحة المستهلك وأيضاً تستفيد منه قطاعات استهلاكية أخرى وكذلك المساهمة بدعم الادخار للفرد.
سوق السيارات متشعب جداً وتفاصيله معقدة، فالأمر لا يقف فقط عند أسعار السيارات والتي قد يتم العمل لتهدئتها وعودتها لما قبل جائحة كورونا سواء من تكاليف إنتاجها أو شحنها وغيرها من مدخلات التكلفة وعبر زيادة التنافسية بالسوق، لكن أيضاً لتكاليف قطع الغيار أهمية كبيرة فأنت تدفع لمرة واحدة ثمن السيارة لكن صيانتها تعد تكاليف مستمرة، وما ينتشر من مواقع عديدة لبيع قطع الغيار بأسعار منخفضة جداً عن ما يباع محلياً يطرح تساؤلات حول الأسباب، وهل هي قطع أصلية تلك التي تباع عبر هذه المواقع ولماذا هذا الفرق الكبير بالسعر عن القطع الأصلية بالسوق المحلي.
نقلا عن الجزيرة