روسيا وممر النقل الدولي

07/08/2023 0
د. عبدالله الردادي

ممرات النقل الدولية أداة رئيسية لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدان، وهي الأساس الذي يمكّن الدول من نقل البضائع والسلع فيما بينها. وجود هذه الممرات سهّل عملية التصدير للكثير من الدول، وبالتالي زيادة تنافسية منتجاتها. كثافة هذه الممرات تزيد من مرونة سلاسل التوريد وتجعلها أقل عرضة للاختناقات عند الأزمات. واليوم، تسعى روسيا إلى تفعيل مشروع «ممر النقل بين الشمال والجنوب» الذي ظهر بشكل رسمي عام 2000، بتوقيع ثلاث دول على أساسه القانوني، وهي روسيا والهند وإيران، و«ممر النقل بين الشمال والجنوب» مشروع طموح تبنته روسيا منذ بدايته، ويسعى إلى إيجاد بدائل لوجستية لخطوط النقل الحالية التي تخدم منطقة أوراسيا. وهو ليس مشروعاً جديداً البتة؛ فقد برزت فكرته في نهاية القرن التاسع عشر، ضمن محاولات الإمبراطورية الروسية الوصول إلى المحيط الهندي عبر أفغانستان وبلاد فارس. ويرمي المشروع الحالي إلى ربط سان بطرسبورغ الروسية بمدينة مومباي الهندية عبر طرق متعددة مكونة من مسارات بحرية، وسكك حديدية، وطرق برية. وقد وقع عليه العديد من الدول بعد الاتفاقية الأولية قبل نحو عشرين سنة، ومنها كازاخستان وروسيا البيضاء وعمان وسوريا، وطاجيكستان، وأذربيجان، وأرمينيا. ويهدف هذا الممر إلى تسهيل تدفق السلع فيه بدلاً من الطرق البحرية الحالية التي تمر بجبل طارق. وقد أشارت دراسة إلى أن حركة الشحن المحتملة لهذا المسار تقدر بين 15 و25 مليون طن من الحاويات بحلول عام 2030.

ويساهم هذا الممر في توسع العلاقات التجارية الروسية مع الهند وتركيا ودول الخليج العربي وإيران وجنوب آسيا، رافعاً من كفاءة تدفق السلع بين هذه الدول. ويستغرق نقل السلع في الوقت الحالي بين مومباي وسان بطرسبورغ ما بين 20 و45 يوماً، وذلك عبر الموانئ البحرية وقناة السويس مروراً بالبحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، في حين يقلل الطريق الجديد مدة النقل إلى أقل من 18 يوماً، وذلك مروراً بالطرق البرية في كازاخستان وتركمانستان. هذا الاختصار في المدة جوهري للعديد من السلع، كالمواد الغذائية، والإلكترونيات والمنسوجات والأجهزة المنزلية. كما أنه يدعم الشركات في تسريع تدوير أموالها، وبالتالي زيادة كفاءة رؤوس أموالها، إلا أن تطوير هذا الممر لا يخلو من صعوبة بسبب ظروف الدول المؤيدة له؛ فإيران منذ أن دخلت الاتفاقية تعاني من عقوبات دولية لم تمكنها من المساهمة بشكل مناسب في تطويره، وهي تعاني من اهتراء بنيتها التحتية وتعجز عن تطويرها، فضلاً عن بنيان منشآت جديدة، لكن إيران ترى في هذا الطريق فكاكاً لها من العقوبات الدولية، فهو يعطيها طريقاً برياً نحو الشمال لا يمر بالدول الأوروبية. أما روسيا فهي لا تستطيع تولي هذا الممر وحدها، ولو كان لدولة القدرة على ذلك لأنجزت الصين «طريق الحرير» الذي كان أحد أكثر مشاريعها طموحاً وفائدة. وقياساً على ذلك، فإن العديد من الدول التي يخدمها هذا الطريق لا يملك السيولة الكافية لبناء مشاريع بنية تحتية عملاقة كالتي يحتاجها هذا الممر. ويضاف إلى ذلك أن تكلفة نقل السلع عبر الخطوط الحالية أقل تكلفة من مثيلتها لهذا الممر بسبب زيادة كفاءة الخطوط الحالية التي تحسنت بسبب سنوات من التحسين المستمر؛ أي إن الجدوى الاقتصادية ليست عالية الآن مقارنة بالخطوط الحالية، وإن كانت روسيا تراهن على التقنية في زيادة كفاءة الممر وتقليل تكلفة الشحن عبره.

إن ميزات هذا الممر متعددة؛ فمنها توفير الوقت، ومنها زيادة البدائل اللوجستية لدى الدول، ومنها رفع مرونة سلاسل الإمداد، لا سيما بعد حادثة مارس (آذار) 2021 الشهيرة في قناة السويس والتي تسبب فيها جنوح ناقلة في زعزعة سلاسل الإمداد الدولية، إلا أن كل هذه الميزات لم تكن كافية خلال السنوات الماضية، حتى جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية، التي جعلت إيجاد البدائل اللوجستية لروسيا ضرورة لا يمكن التغاضي عنها؛ فهي كما تفعل الآن بالتحكم بالبحر الأسود، تخشى أن يتمكن الأوروبيون من التحكم في حركة سلعها التجارية المتجهة غرباً، ووارداتها التي تغذي شعبها واقتصادها، وهو ما يضفي أهمية استراتيجية جعلت روسيا تمضي قدماً في تطوير هذا المشروع، وهي بذلك تتبع نفس الأسلوب الصيني في «طريق الحرير»، إلا أنها اختارت توقيتاً زاد من صعوبة مهمتها.

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط