القانون يعني مجموعة القواعد الاجتماعية الملزمة المنظمة لعلاقات الأفراد داخل الجماعة، التي تستتبع مخالفتها توقيع الجزاء. المصدر الوسيط في دراسة الأنظمة لعدد من أعضاء هيئة التدريس في قسم القانون، جامعة الملك عبدالعزيز. ومعروف أن الشريعة هي المصدر الأول لبناء القوانين في بلادنا. أما علم الاقتصاد فترجمة للكلمة economics. وجود الحروف ics في نهاية أي مسمى اصطلاحي في اللغة الإنجليزية يعني علما أو دراسة أو معرفة كذا. وتبعا، فإن تلك الكلمة تعني العلم بكيفية عمل وتفاعل أطراف اقتصادية "مثل المستهلك والمنتج والبائع والشركة والحكومة... إلخ" في مجتمع ما لتحقيق أمورها. وقد يعبر عنه بدراسة كيفية تعامل تلك الأطراف في مواردها لإنتاج السلع والخدمات، وتوزيعها والحصول عليها واستهلاكها، مما نفهمه من مقارنة المعنيين السابقين أن هناك قوانين تحكم تصرفات البشر في مختلف مراحل استخدام الموارد استخراجا وإنتاجا وتوزيعا واستهلاكا. ومن الجانب الآخر، هذه التصرفات وإن كانت متاحة قانونيا، لكنها قابلة أن تحدث من خلال كيفيات كثيرة في مختلف مراحل الاستخدام.
ليس من اللازم أن يحقق كل تصرف حلال قانونيا أفضل مصلحة من وجهة اقتصادية أو مالية أو تنموية ونحو ذلك. وهنا دور للتحليلات غير القانونية من اقتصادية وغير اقتصادية في تنوير الطريق قدر الإمكان بما يساعد على اختيار البناء القانوني الأفضل. وبعض هذا التنوير ظني في بنائه ودلالته، إذ ليس كل تحليل بمعصوم من الخطأ، أو من اختلاف وجهات النظر. لكن ذلك لا يلغي أصل المبدأ، قبل عقود، كان التحليل الاقتصادي "في الدول الصناعية الرئيسة على الأقل"، يتركز على قضايا التكتلات والاحتكارات، والتنظيمات الحكومية للاقتصاد، لكن التحليل الاقتصادي والتفاعل بين الاقتصاديين والماليين ونحوهم والقانونيين توسع بعد ذلك، وصار بناء القوانين أكثر اعتمادا على فهم وتحليل البيانات ومعرفه مختلف الآثار الاقتصادية وغير الاقتصادية للقوانين. والتركيز في المقال على الاقتصادية، يتركز التحليل الاقتصادي للقانون في جانبين:
الجانب الأول، استخدام علم الاقتصاد لدراسة الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل نتيجة تطبيق قوانين "أنظمة" بعينها.
الجانب الثاني، يختص باستعمال علم الاقتصاد لمعرفة أي القوانين أكثر كفاءة من وجهة اقتصادية، التي تعني بعبارة تقريبية ومفهومة من غير الاقتصاديين الحصول أو محاولة الحصول على أقصى منفعة مادية أو أقل خسارة مادية ممكنة صافية "أي بعد خصم التكاليف" من الموارد المتاحة "المستعملة كرأس المال واليد العاملة"، دون إضرار بالعدالة.
لوحظ في الجانب الأول أن التحليل الاقتصادي يبين نتائج أو آثارا للقوانين ما كان في حسبان واضعي القوانين حدوثها، ومن أمثلة ذلك آثار غير مرغوب بها عند منح بعض الإعفاءات، أو عند فرض قيود على بعض الأنشطة الاقتصادية، ولذلك فإنه عند تقييم الأنظمة أو سنها، فإنه ينبغي عدم النظر فقط إلى جانب تحقيقها للعدل، لكن ينظر أيضا إلى مدى آثارها في الأهداف الأخرى غير العدل كتقليل العطالة، وإلى قدر تأثيرها بما يرى أنه الأنسب من جوانب مختلفة، هناك من يعترض لأنه ينظر فقط لجانب تحقيق العدالة. يوافق على الاعتراض في حال أن استهداف تحقيق أهداف أخرى سيضر مبدأ تحقيق العدالة، لكن حدوث ذلك ممكن في حالات وظروف بعينها، أما التعميم فإنه غير مقبول، بالنسبة للجانب الثاني وهو الكفاءة الاقتصادية، فهو مبني على فكرة أن الأنظمة يفترض أنها لا تستهدف قط تحقيق العدالة، بل أيضا تحقيق الكفاءة فالمنافع الاقتصادية. لكن هناك طبعا خلافات بين أفراد المجتمع في تقدير أهمية المنفعة المحققة. ومهما كان الأمر، فان مراعاة الكفاءة الاقتصادية تساعد على حسن الاختيار عند وضع القوانين ذات الصلة.
وهناك نقطة. التحليل الاقتصادي سواء للقانون أو غيره، يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتعلم ما ينبغي أن يكون، أو محاولة لشرح ما هو كائن، وما يتوقع أن يكون، إن بيان الآثار الاقتصادية وغير الاقتصادية للقوانين صار الاهتمام به أكثر عالميا. وحقق هذا النهج نجاحات كبيرة في كثير من الدول من خلال جامعات ومؤسسات بحثية. وهناك اهتمام متزايد من عديد من الجامعات في دول كثيرة، خاصة الغربية وعلى رأسها الأمريكية، لتدريس مقرر تطبيقي يعنى بالتحليل الاقتصادي للقانون، في الأغلب تحت مسمى "قانون وعلم اقتصاد law and economics"، وهنا من المفيد الإشارة إلى اختلاف منهج البحث والدراسة بين القانون والاقتصاد. دراسة القانون تعتمد على الشرح اللفظي الخالي من التحليل الكمي، بينما تعتمد دراسة الاقتصاد على الإحصاء والرياضيات، مقرر قانون واقتصاد يدرس في العادة في أقسام ومدارس القانون، في الأغلب بعد دراسة مقرر عن مبادئ الاقتصاد. وهناك بديل في حال عدم وجود دراسة لهذا المقرر. البديل في احتواء مقرر القانون والاقتصاد في بدايته على توضيح لمبادئ الاقتصاد بلغة يسهل فهمها على القانونيين. وهذا مناسب لمن لا يهوون الموضوعات الكمية. ذلك أن فهم مبادئ الاقتصاد لا يتطلب توافر مهارات رياضية متقدمة، ولا حتى متوسطة، بل يكفي توافر معرفة بمبادئ الرياضيات التي درسها الطالب في المرحلة المتوسطة.
الوقت مناسب جدا لهيئة الخبراء وأقسام القانون وبعض جامعاتنا أن تعطي الموضوع مزيد اهتمام، وصدر أكثر من تنبيه من مجلس الوزراء على أهمية توضيح آثار أي مشروع قانون يرفع للمجلس، ومراعاتها في الرفع، مثلا، نص قرار لمجلس الوزراء صادر في 1435، أنه عند اقتراح مشروع نظام، فإن على الجهة المقترحة للنظام توضيح الآثار المالية والوظيفية، والاجتماعية، وغيرها المترتبة على النظام المقترح. ومن المفيد جدا دراسة مدى الالتزام بما قرره مجلس الوزراء، الموضوع طويل، وهذا ما تيسر توضيحه هنا.
نقلا عن الاقتصادية