نمو إيجابي للاقتصاد .. وأسباب تباطؤ وتيرته

02/08/2023 0
عبد الحميد العمري

احتفظ الاقتصاد الوطني بنموه الحقيقي للربع التاسع على التوالي، واستقر معدله السنوي عند 1.1 في المائة بنهاية الربع الثاني، وفقا للتقديرات السريعة للناتج المحلي الإجمالي الصادرة منتصف الأسبوع الجاري عن الهيئة العامة للإحصاء، واستمد النمو الاقتصادي المتحقق زخمه من استمرار النمو في الأنشطة النفطية، التي سجلت نموا بمعدل سنوي بلغ 5.5 في المائة، مقابل تراجع الأنشطة النفطية لأول مرة منذ الربع الثاني 2021 بمعدل سنوي بلغ 4.2 في المائة، ورغم احتفاظ الاقتصاد بوتيرة النمو طوال التسعة أرباع سنوية الماضية بدءا من الربع الثاني 2021، إلا أنه عد الأدنى طوال تلك الفترة، متأثرا بعديد من العوامل الخارجية والداخلية، جاء في مقدمة العوامل الخارجية حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية شرق أوروبا، واضطرابات أخرى مماثلة أدنى حدة في مناطق أخرى من العالم في شرق وسط آسيا، إضافة إلى أجزاء من الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، ألقت بظلالها على إمدادات الغذاء بدرجة أساسية، وضاعفت من الضغوط على الاقتصادات والأسواق على حد سواء، السياسات المتشددة التي اتخذتها البنوك المركزية حول العالم، عبر التشديد الكمي ورفع معدلات الفائدة، امتد جزء من آثار تلك التطورات العكسية عالميا إلى الاقتصاد المحلي بالتأكيد، بما يمثله من ثقل دولي على عديد من المستويات عمق من تأثيره وتأثره المتبادلين، كان من أبرزها تراجع أسعار النفط العالمية خلال الربع الثاني الماضي، وانخفاض الإنتاج النفطي، وفقا لقرارات "أوبك+"، انعكست نتائجه على الأنشطة النفطية بانخفاضها سنويا بنحو 4.2 في المائة. وقد تتمكن تلك الأنشطة من النمو إيجابيا خلال الربع الثالث الراهن، قياسا على استعادتها النمو والوصول إلى مستوياتها السعرية الراهنة (شهدت ارتدادا وتحسنا خلال الشهر الأخير بنحو 14 في المائة)، ما سيحفز الاقتصاد الكلي للاحتفاظ بوتيرة نموه الراهنة بمعدلات أسرع مما شهده خلال الربع الثاني الماضي.

كما أسهم ارتفاع معدلات الفائدة عالميا ومحليا، ووصولها إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من 22 عاما مضت، في الحد من جماح نمو الأنشطة غير النفطية (القطاع الخاص كأكبر مكون فيها)، وهي السياسات المرتبطة بالبنوك المركزية حول العالم، لمواجهة ارتفاعات معدل التضخم التي كانت قد وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من أربعة عقود زمنية مضت، اضطرت أمامها البنوك المركزية كافة حول العالم بقيادة "الاحتياطي الفيدرالي"، إلى اتخاذ أكثر من 300 قرار برفع معدل الفائدة، خلال الـ18 شهرا الماضية من 2022 - 2023، ما أسهم بدرجة ملموسة في كبح التضخم خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنه لم يصل بعد إلى المستهدفات المحددة له (2.0 في المائة)، وقد لا تتمكن الارتفاعات الراهنة لمعدل الفائدة، ومحافظة البنوك المركزية على مستوياتها المرتفعة تلك من كبح التضخم إلى هدفه النهائي إلا في 2025، وفقا لتقديرات وتوقعات "الاحتياطي الفيدرالي" وكبار البنوك المركزية حول العالم.

هذا يعني بدوره مزيدا من الضغوط على الاقتصاد العالمي والأسواق، الذي يقرب أغلب الاقتصادات المتقدمة من دخول ركود محتم قبل نهاية العام الجاري، أو مع مطلع العام المقبل، على أن عديدا من الاقتصادات حول العالم قد دخل ركودا منذ الربع الأول من العام الجاري، وتزداد التوقعات بزيادة عددها وعمق الركود خلال الربع الثاني وما سيليه حتى منتصف العام المقبل، وأخذا في الحسبان بلدان أخرى لم تتعرض للركود، إنما شهدت تباطؤا ملموسا في أدائها الاقتصادي خلال الفترة الماضية، في مقدمتها الاقتصاد الصيني كثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ختاما، أمام ما يمر به الاقتصاد العالمي، وقياسا على ما يواجهه من تحديات وصراعات دولية، ما أفضى إلى تشكل نظرة عامة غلب عليها عدم اليقين، تجاه ما ستفسر عنه التطورات والأزمات الراهنة في الأسواق عموما من نتائج وآثار، لا بد من التأكيد خلال المرحلة الراهنة على عديد من المحاور الرئيسة محليا، يأتي في مقدمتها الاستمرار في العمل المتكامل والمشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، وتوسيع دائرته من جانب، ومن جانب آخر تعميقه بدرجة أكبر وصولا إلى تفاصيل أكثر دقة، من خلال تبني مزيد من السياسات والمبادرات المرحلية المحفزة بدرجة أكبر للقطاع الخاص خصوصا، وللاقتصاد الوطني عموما، والتركيز الأوسع والأكبر على تحفيز وتنشيط المجالات والنشاطات المنتجة في الهيكل الاقتصادي، وإن جاء ذلك على حساب التضحية بالنشاطات غير الإنتاجية، التي يأتي في مقدمتها بكل تأكيد نشاطات المضاربة على الأراضي دون أي جدوى للاقتصاد الوطني، ومحاربة ممارسات تدوير الأموال في الأراضي وما شابهها من أصول أو سلع مختلفة بأقصى ما يمكن تحقيقه في هذا الشأن.

تأتي أهمية تبني مثل تلك السياسات والمبادرات التي تستهدف دعم الاستقرار الاقتصادي عموما، والقطاع الخاص خصوصا، وتوطيد وترسيخ ركائزه بدرجة رئيسة في مواجهة المتغيرات غير المواتية التي يشهدها العالم المعاصر، وبما يؤهل للمحافظة على وجود القطاع الخاص وإثبات قدمه في هيكل الاقتصاد الوطني، ولتتوافر لديه القدرة أيضا بالمحافظة على العمالة المواطنة لدى القطاع كهدف استراتيجي وتنموي أول، ثم بالدرجة الثانية أن تسهم تلك السياسات والمبادرات في توفير عديد من خيارات دعم نمو القطاع وتوسع نشاطاته واستثماراته، ورفع مساهمته في تعزيز النمو الاقتصادي بصورة مستدامة، التي سيؤدي تحققها مجتمعة إلى زيادة وتعزيز قدرة القطاع الخاص على مستوى زيادة معدلات توظيف الموارد البشرية المواطنة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية