المقصود بالوقف تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة. ويصرف ريعه تقربا من صاحب الوقف إلى الله تعالى. والمراد بالأصل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه. وللوقف دور في مساعدة المحتاجين وزيادة التعاون على البر والتقوى. وزادت أهمية منافعه مع الغلاء. مساهمة الوقف في بلادنا ضعيفة. وتطمح الرؤية إلى زيادة مساهمته في الناتج المحلي إلى 5 في المائة بدلا من الوضع الحالي نحو 1 في المائة. ضعف لا يعكس أهمية الوقف في ديننا وتاريخنا وثقافتنا، من أهم أسباب ضعف مساهمة الوقف وجود معوقات وصعوبات فيما يؤدي إلى تنمية الأوقاف وتطويرها، خاصة الصغيرة. لقد نوقشت عبر الأعوام أوضاع ومشكلات الأوقاف في المملكة. وطرحت توصيات للمعالجة أو التخفيف الملموس للمشكلات. تلك المشكلات تظهر في محاور عدة من تشريعات وجوانب قضائية وإدارية، وواقفين ونظار وغيرها. ولدينا صراحة ضعف مجتمعي في المعرفة الشرعية للوقف، من المهم تحسين ما هو قائم بما يجعله أكثر وضوحا ونفعا. تحسين يقلل كثيرا من تردد راغبين في اتخاذ أوقاف، ويقلل من التخوف الحاصل من الإجراءات القانونية لدى بعض الواقفين. نتطلع إلى تحديث الإجراءات والأنظمة القضائية للوقف بما يتناسب ويتواكب مع التطلعات.
ماذا بشأن المراجعات والمراقبة وتطبيق المعايير المحاسبية؟ مطالب وتطرح لها مقترحات. لكن كثيرا مما يطرح يغفل عن مشكلة كبيرة. كثير من الأوقاف صغيرة لا تتجاوز قيمتها ملايين قليلة من الريالات، بل قيمة الواحد لكثير من الأوقاف أقل من نصف مليون ريال، فبعض الناس مثلا يوقف مزرعة صغيرة أو وحدة سكنية صغيرة. وتبعا لذلك فالريع السنوي بسيط، فكيف تتحمل أعباء نظارة قوية ومراقبات ومراجعات محاسبية مكلفة؟ وهناك مشكلات أخرى تتعلق بجوانب كثيرة، مثل أمور المشاركة والاستثمار وغيرهما، ومثل كون كثير من الأوقاف القديمة مثبتة في المحاكم، لكن لا تتوافر لها صكوك وقفية. ولا يتسع المقام لدخول تفاصيلها، خلاف ما سبق، هناك مشكلات قانونية، وهناك قصور في مواكبة التطورات والطموحات، وهناك شيء من الغموض والتداخل، وهناك ضعف بالمعرفة القانونية فيما يخص الوقف. كما أن هناك سوء إدارة أو ضعفها، ما له أثر سلبي في عوائد الوقف، وكذلك بعض اجتهادات أطراف معنية لا تتناسب، كما ينبغي، مع الدور الاستثماري والتنموي للأوقاف. هذه المشكلات تشكل معوقات أمام تنمية الأوقاف وتطويرها، خاصة الصغيرة.
لذا تظهر قوة أهمية تطوير الأنظمة التي تزيد من نمو العمل الوقفي وانضباطه. ولأجل هذا تبرز أهمية بيان العلاقة بين هيئة الأوقاف والقضاء بيانا شافيا. ومن المهم أن توضح الهيئة العامة للأوقاف توضيحا مباشرا وافيا كيفية حل ما تعانيه أوقاف ثابتة من نواقص. مثلا، هناك أوقاف قديمة مثبتة حاليا بصكوك، لكنها تعاني فقد صكوكها الوقفية، المقترح تأسيس شركة أو شركات وقفية عامة أو في حكم العامة. تتاح في هذه الشركات شراكات مفتوحة بين الأوقاف المشاركة عبر المساهمة أو دخول أموال نقدية وغير نقدية سواء من الأوقاف، خاصة الصغيرة القديمة الراغبة في المشاركة، أو من الجدد الراغبين في دخول عالم الوقف. تحمل هذه الشركة عبء إدارة الوقف يشجع كثيرين على الدخول وتخصيص أموال لأوقاف جديدة، التأسيس يستهدف قيام شركة أو شركات عامة أي حكومية، أو شبه عامة، تتاح فيها الفرصة لمشاركة القطاع الخاص. وهنا مقترح قيام بنيان ذي نشاط تجاري طبيعته تتفق مع طبيعة الأوقاف التي ستتولى أمرها الشركة، وتوزع الأرباح حسب صكوك الأوقاف أو ما يحل محلها. لذا قد نقول إن الشركة ربحية أو غير ربحية حسب التعريف والتصور عن الشركة. وطبعا يراعى تطبيق أحكام الشرع وما أوصى به الواقفون أو ما يتقرر قضاء.
خيارات التأسيس لشركة أو شركات وقفية تتم طبعا ببنية قانونية مناسبة. وتراعى في تأسيس الشركة أو الشركات الوقفية والإشراف عليها وتوسعها من الأوقاف التي تتسلم أصولها وتشغيلها وتوزيع ريعها أو أرباحها وغير ذلك من الجوانب تراعى الأحكام الشرعية والنظامية والحاجة والظروف وتحقيق الأهداف. وطبعا لا بد من وجود حوكمة عالية للشركة أو الشركات، ولا شك أن هناك فروقات تراعى بين الشركات الوقفية وغيرها من الشركات، وبين الشركات الوقفية والأوقاف الأخرى. كما توجد فروق في العمل وطرق التملك للأصول. ولا يتسع المقام للحديث عن هذه الفروقات.
باختصار، الوقف مندوب إليه شرعا. وله دور كبير في الاقتصاد وتنميته، ومساعدة المحتاجين، وزيادة البر والتعاون بين الناس. وزادت أهمية هذه المنافع مع الغلاء. وتعاني بلادنا ضعف مساهمة الأوقاف في الاقتصاد. ولهذا الضعف أسبابه وآثاره. ومن أهم الحلول المقترحة في تنمية وتطوير الأوقاف القائمة أو المستقبلية تأسيس شركة أو شركات وقفية عامة أو شبه عامة بشراكة مع القطاع الخاص. وتكون لهذه الشركات بنيتها الخاصة المدروسة تأسيسا وتشغيلا. وتزيد أهمية المقترح في الأوقاف الصغيرة. تلك الأوقاف تعاني مشكلات في جوانب عدة، مثل الصكوك والحوكمة وتكاليف تطبيق التعليمات المحاسبية وغيرها. ينبغي إدخال تطويرات بما يتيح تطوير الأوقاف بطرق مشابهة للمتبع في تطوير المنشآت التجارية، مع مراعاة الفروق، ورقابة عالية المستوى.
نقلا عن الاقتصادية