مصائد القرار .. كيف نقع في التحيز؟

09/07/2023 1
د. محمد آل عباس

في سابقة قضائية مرفوعة على مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لإحدى الشركات العالمية، حملت المحكمة المديرين المسؤولية عندما تم تقديم دليل على أن المديرين توصلوا إلى قرار بيع شركة بسعر معين بعد سماع عرض شفوي مدته 20 دقيقة فقط بشأن البيع، بينما لم يتلقوا أي وثائق تشير إلى أن سعر البيع كان مناسبا ولم يطلبوا دراسة لمساعدتهم على تحديد ما إذا كان السعر عادلا. قررت المحكمة أنهم فشلوا في "إبلاغ أنفسهم"، بشكل كاف مع عدم مشاركتهم في عملية قرار سليمة، وعدت المحكمة أن أعضاء مجلس الإدارة مسؤولون أمام المساهمين عن الإهمال. يعد تحديد المشكلة وتحديد الأهداف الأساسية الخطوة الأهم في تمهيد الطريق لإصدار قرارات عالية الجودة، يمكن أن يؤدي تخطي هذه الخطوة إلى إهدار الوقت في حل المشكلة الخاطئة، ويمكن أن يقلص البدائل المتاحة التي يعد تحديدها وتأملها هو الخطوة الثانية، ثم البدء في جمع المعلومات كخطوة ثالثة وذلك عن كل بديل من أجل الوصول إلى استنتاج مستنير كخطوة رابعة، وتوثيق ذلك كخطوة خامسة.

لكن على الرغم من أن عملية القرار المكونة من خمس خطوات بسيطة ومنطقية، فمن المهم أن ندرك أن قراراتنا في معظمها قرارات متحيزة، وقد نقع في أفخاخ القرار، ومن ذلك محاولة تبسيط واختصار الإجراءات، وقتل البيروقراطية كما يقال، مثل ما حدث في القضية التي بدأت بها المقال، فالرئيس التنفيذي والمدير المالي للشركة قدما دعوة عاجلة لاجتماع مجلس الإدارة خلال عطلة نهاية الأسبوع، لتقديم عرض للمجلس بشأن فرصة شراء شركة تقدم خدمات التوريد، لقد عد الرئيس التنفيذي هذا الاستحواذ فرصة رائعة وبدأ حديثه بمثل هذه العبارات، وقال بثقة "لقد جمعناكم في مثل هذا الوقت لأننا بحاجة إلى تقديم عرض الشراء بداية الأسبوع المقبل"، ثم تحول الحديث للمدير المالي الذي قدم حساباته لهذه الفرصة، وختم حديثه بعبارات "مثل الفرصة الهائلة لتحقيق وفورات في التكاليف"، هكذا يتخذ مجلس الإدارة قراره بتسرع تحت إلحاح الرئيس التنفيذي وغموض أرقام المدير المالي. لقد وقع مجلس الإدارة في واحدة من أخطر مصائد القرار وهي النزعة للوصول إلى حل سريع للقضية، هذا الفخ النفسي ينتج عندما يريد الرئيس التنفيذي وفريقه أن يظهروا بأنهم منجزون وأنهم سريعو الاستجابة للمشكلات ومبدعون في الحل وأن لديهم الخبرة والمعرفة والتجربة العريضة التي تمكنهم من اتخاذ قرار سريع، ومع ضغط الظهور بهذا المشهد، فإنهم عادة ما يقفزون على القرار مستندين إلى التوقعات لما يعتقدونه أفضل قرار دون المرور على مفصل جمع البيانات الكافية وتمحيص البدائل ودون الصرامة اللازمة في منهجية اتخاذ القرار.

لقد أصدرت لجنة المنظمات الراعية للجنة تريدواي المعروفة بـCOSO دراسة عن مجموعة فخاخ "أو مصائد" يقع فيها متخذو القرار في مجالس إدارات الشركات والمؤسسات بشكل عام، وجاء من أخطر هذه المصائد الإجماع على القرار دون حدوث خلاف واضح في الرأي وقبل الوصول لذلك الإجماع. الإجماع على القرار ليس مؤشرا جيدا عليه، بل هو مصيدة، والصمت ليس إقرارا بصحة القرار وليس مؤشرا على فهمه وفهم أبعاده وتأثيراته، لقد عدت COSO أن الإجماع على قرار بشكل مبكر يعد كارثة، ومؤشرا خطيرا على التحيز، ويحدث ذلك عندما يكون في مجلس الإدارة عضو بارز يعبر عن آرائه في بداية الموضوع، وهذا يعزز ميل المجموعة نحو التفكير الضيق، وقمع الآراء المتباينة، ومن المهم إدراك أن الاتفاق السريع بين أعضاء مجموعة القرار يمنح ثقة مفرطة وهو مؤشر على قمع الآراء وردها مبكرا، ولتجنب ذلك يجب على قائد مجموعة القرار "لجنة كانت أم مجلسا" أن يسمح دوما بخلافات الرأي ووجهات نظر متباينة حتى تبدو كنوع من الصراع، وعليه أن يدير هذا الصراع بحيادية حتى يتسنى للمجتمعين الوصول إلى فهم عميق لجوانب القرار وتأثيراته، بل إن دراسة COSO تقول إن وجود حالة ود أكثر من اللازم بين المجتمعين وأن الاجتماعات التي تسودها السعادة ويخرج الجميع منها مبتسما هي مؤشرات واضحة لقرارات غير صحية.

من المصائد، التحيز نحو بديل معين، بديل في الأغلب ما يمثل الحل الفطري، والحل المعتاد، ويتم الضغط نحو هذا البديل من خلال عبارة مثل الخبرة، وسبق أن ناقشنا هذه المسألة، ولكن مع ذلك يحاول فريق القرار العمل على طرح بدائل أخرى، لكن ذلك ليس من باب دراستها فعليا، بل من باب التشريع للقرار المستهدف، من باب أن الفريق درس كل المقترحات، لكن للحقيقة فإن عملية جمع المعلومات عن البدائل الأخرى كانت هشة جدا، وهامشية ومتحيزة تماما، مع منهجية قمع الرأي الآخر، وهذا التعود على الحل المعروف، يقود إلى مصيدة الإطار Frame وذلك عندما نضع أنفسنا ضمن إطار معين، ودون أن نشعر يصبح هذا الإطار حدودا للتفكير، مثل قولنا التكلفة التاريخية أفضل طريقة لقياس قيمة الأصول، إننا نقول ذلك لأننا نعد الموضوعية "وجود دليل موضوعي للقيمة، مثل فاتورة الشراء" إطارا للتفكير يحد من مساحة القرار، لكن لو فكرنا في القيمة العادلة فإننا نخرج عن الإطار، الذين يتخذون القرارات الجيدة في الأغلب ما يكون لديهم القدرة على إدراك الإطار الذي يحكم تفكيرهم، ولهذا يمنحون البدائل "خارج الإطار" فرصة إثبات الذات من خلال منحها فرصة كاملة دون تحيز سواء في جمع المعلومات أو في تحليلها وعرضها.

 

 

نقلا عن الاقتصادية